برقيات موجزة


      -1-
ما قلّ كلامي
حين أردتُ النصَّ قصيرا
فالنصُّ
وإن قلَّ كلامي
يذهبُ في التأويلِ بعيداً
ويعودُ كبيرا

      -2-
الوقتُ يمرُّ سريعاً
وأنا أتجاهلُ في الركضِ
خطاي

      -3-
حين رأيتُ الموتى
يندفعونَ إلى شبرٍ في التربةِ
رحتُ أهدّمُ بيتي
وأُكَوِّمُ في الساحةِ
ما جمّعتُ من الأزهارْ

      -4-
كم يلزمني من مبنى
حين أنام بعيداً في الصحراء؟
هل ثمّ غزالٌ بِكْرٌ
يشرح لي
أسبابَ دخوليَ في المتخيّل؟

      -5-
لَمْ أشربْ فنجان القهوة هذا اليوم
لدخولي في النومْ!!
وعرفتُ بأني حين صحوتُ
وحيداً  كنتُ أنامُ على قشرة لومْ

      -6-
الكحلُ الأسودُ في زمنٍ ما
حين يمرُّ على شفةِ الجفنِ
ويخلطُ صورتَهُ في المرآة
يتلو صحبَتَهُ النرجسُ
ثم ينام قليلاً فوق العينِ
ولا يعرف من أين يجيء
الحدسْ

      -7-
السُّكَّرُ لا يهدأُ في فنجان القهوة
السُّكَّرُ طيرانِ طريدانِ من المعنى
وحلولٌ تحت أثير الناي
وعزفٌ متّصِلٌ لا يفنى كلُّهْ

      -8-
شيّعني حقلُ نحاسٍ
بعد عبور الدخّان إلى كفّي
جاوزتُ المقبرة الأولى
وحدودَ البيتْ
لَمْ أدرِ بأنَّ الحارس أوقفني
حين رأى في ساحلِ كفّي
ما يخبرُ أنّي.... 
ورجعتُ وحيداً
وأهلتُ تراباً فوق خطى من شيّعني
وقرأتُ عليهم ما يلزمني
وبكيتْ!!

      -9-
دمعُهُ موصلٌ لأنين البكاء
غير أني أنا
موصلُ الكهرباء إلى عينهِ

            -10-
     لأنَّ ريح المرايا شظايا من الهمِّ
فَأْذَنْ إذن صاحبي
أن أغيّرَ مَجرى الشبابيك
كي يمرَّ الندى طائعاً في لياليك
وانتبه صاحبي
إنّ ليلاً يفسِّرُهُ الحلْمُ
يأتي من الحقلِ متكئاً ظلّهُ
لا يمشِّطَهُ السرُّ فيك
يراعي اعتقالَ ذويك

      -11-
وسطرٌ وحيدٌ
من الشعرِ
يكفي لهضم الزمان
ونصٌّ وحيدٌ
يؤنِّثُ هذا المكان

      -12-
قالوا كسَّرتَ المُطلقَ في بعض قوافيك
كم يلزم من شفةٍ لأجاريك؟!

      -13-
أفنيتَ عمركَ
وانسحبتَ إلى المدينةْ
ثمراً يقودُ مرارة الشجر الحزين
وخلعتَ من ظلِّ المدينةِ ما يؤهّلني
لبحرٍ ليس يغرق فيه صلصالي
وإن فاضت يميني
أفنيتَ عمرَكَ يا زماني
وانسحبتَ إلى يقيني

      -14-
لأنها تعينني في كلّ ما صيّرتُهُ
حكايةً
وخلّةً
وخفيةً
أروحُ كي يظلّ مرْوَدي
معلّقا

      -15-
الشمسُ تظفرُ بالتراب المرِّ
في شهرينِ من ولَهٍ وآس
في كلّ سنبلةٍ على نهرينِ من دمنا
دَمٌ يفضي إلى حقلِ الحواس
الكائناتُ حديثُ مقبرةٍ
تضمُّ حياتنا يوم النّعاس
والملحُ أوّل نكهةٍ للموتِ
في زمن اليباس

       -16-
تحت غيم الرّحى
يختمُ القلبُ أحلامهُ
هكذا لا أراضينَ تقفزُ من ظلّهِ
أو طيورٌ تعششُ في ظلّهِ
تحت سقفٍ دحا
ولهُ ما وعى
إن صحا

       -17-
كلُّ تفّاحهِ في سلالي
ما عدا واحدةْ
كان نقْرَشَها الطيرُ
منذ اختزلنا جناح السماءِ
على نجمةٍ باردةْ

       -18-
الحقيقةُ نصفُ الكلامِ عن الغيبِ
إمّا استوى فوق ريش الغزال
والكلام اللطيفُ عن السنديان الخفيفِ
مرايا النزال
كأني أريدكَ طفلاً
ولا شيء إلا إذا صرتَ ظلاً
لِمَاءٍ زُلالْ
كأني أريدُ التلهّي بهذا الزّوال

      -19-
صاحبْتُكَ عشرينَ نشيداً
وبقيتَ كسيحاً تحت عباءة ظلّي
لَمْ تفتح نارُ الخلوةِ
تحت بساطكَ ما يشبه نحلي
ولهذا حين رأيتُكَ تمشي في التكرارِ
خلعتُ عليك البابَ
لأشهدَ أنّكَ ما جُزْتَ مقامَ التوبةِ بعدُ
ولَمْ تبلغْ بمداد الشعر
سوى سهلي

      -20-
ويُكَرْكِرُ عقربُ ساعتنا
عند صياح الديكِ
يُكَرْكِرُ
يأذنُ فجرُ الحبِّ
بأن أشربَ فنجان القهوةِ ظهراً

      -21-
إنْ جئتَ تطلبُ فُستقَ المعنى
فقشِّرْ لفظة الإيحاءِ

      -22-
القصّةُ من أوَّلِها
يكذِبُ صاحبُنا بالسّردْ

      -23-
أبقيتَ لي من عالمي مُزُنا
وتركتني في شارعٍ فننا
وخرجتَ من لغتي لتسكبَ نثرها
عسلاً على الإيقاعِ
أو شجنا
حتى إذا سلّمتني ليدٍ
بُترتْ أصابعُ حُلْمِها حَزَنا
شاهدتُ أنّ الأرضَ ضيّقةً
وما تكفي لأن أحتاجَها
وطنا
هذي بلادي نفحةٌ أزليّةٌ
مذ كان فعلُ الخلقِ
كانت للهوى سَكَنا

      -24-
نصفُ العتمةِ لي
لي أيضاً
نصفُ الضوءْ

      -25-
سقطَ الشاعر في الجبِّ
فقالتْ امرأةٌ: حِكمتُهُ الماءْ
شَرِبَ الشاعرُ من بئر المعنى
قالتْ امرأةٌ: سقط الشعراءْ!!

       -26-
في عامٍ واحدْ
ألّفتُ قصائدَ
تعدِلُ في المعنى
ألفَ شهرْ

       -27-
لا شيء يملكني سواك
وأنا سوى نفسي
ونفسي لا تردّ إلى سواك
فانفخ بماء حكايتي زمناً
يكادُ يفيضُ من شوقي على المعنى
بأني حيثُ يسرقني الهوى
أمشي، وأطلبُ أن أراك
فاجعل من المبنى
وصلصال الفتى
روحاً تفيضُ على هواك

       -28-
وباعدتُ بين الخطايا
وبين المرايا
وما عاد لي من غيابي حنينُ
وما عاد من شارعٍ طافحٍ بالنوايا
إلى جسمهِ في المساء قرينُ
كذلكَ ما عدتَ أنتَ
ولا عاد دمعي
وما فاوضتني على العينِ يوماً
جفونُ

       -29-
لَمْ يسلكِ الولدُ الغريبُ طريقي
لَمْ يسلكِ الولدُ الغريبُ جناحَ حانوتي
ولَمْ يعبر موانئهُ على قشِّ الغريقِ
لَمْ يسلكِ الولدُ الغريبُ مدامعي
فتركتُ أشيائي تعلِّمُهُ السباحةَ
والنشورَ إلى بريقي


        -30-
صِبْيَةٌ يلعبونَ
على غير عادتهمْ بالتراب
صِبْيَةٌ رائعونَ
صِبْيَةٌ حار بأعدادهمْ حارسُ الماءِ
قلتُ: ثلاثةُ أترابٍ
ويقتطفونَ الخطى من كتابي
وأجملُهم صاحبي

       -31-
في عام الألفينِ وستةْ
بعث الوالي لي ذهباً وحرائرَ
من أجلِ قصيدةْ

في عام الألفينِ وسبعةْ
نطق الوالي
في الصفحةِ بعد الألفِ
من الورق الأصفرِ
حُكماً بالنفيِ على نصّي

      -32-
العابرُ كان أخي
وصديقي
فأيُّكما فرَّ من الذاكرة الأولى
ليلاً، فتبلَّلَ بريقي
قالَ الرّجلُ الأعمى:
كنتُ قليلَ البختِ
وقال الآخرُ: هيّأتُ لهُ كفناً
ونسختُ طريقي
العابرُ كان أخي
والعابرُ كان رفيقي
وأنا بينهما شيءٌ من شيءٍ
لكنّ الشاعرَ أعطاني أملاً
وانطلقَ إلى ترميمِ شقوقي

      -33-
الأغنياتُ كثيرةٌ
وأنا لديّ من الأغاني ما يشيبُ لها الورى
حرفانِ من لَدُنِ القصيدةِ
مقبلٌ في مائهِ، أو مُدْبِرٌ فيما أرى
لكنني لَمّا أحوزُ جمالها
تزهو، وتهتفُ: يا فتى خذني
ولا تجعل كلاميَ مُقْفِرا



إرسال تعليق

حقوق النشر © موقع أحمد الخطيب جميع الحقوق محفوظة
x