بقليل من عنب وكثير من ماء




1- كائنات 



كأنّي سأجتزئُ الآنَ
من كلِّ ديوانِ شعرٍ قديمٍ
كلاماً مُصفّى
من الريح أنثى
ومن بائع الوردِ نحلاً حميماً
ومن سلّة الذكرياتِ
منازلَ إرثٍ قديمٍ

كأنّي سأطلقُ صيدي الثمينَ
إلى أوّل الذكرياتِ
وأمشي إلى آخر البئرِ
أحجزُ ما كان لي من حبالٍ
وأصعدُ منفى
وأرسمُ فوق الفضاءِ المُذهّبِ جسراً
عتيق المفاصلِ
أمشي إلى آخر العمر
حتى إذا زاول الشمسَ
كفُّ المغيبِ
أعدتُ العقاربَ نحو الوراءِ
وعاينتُ كلَّ الذينَ رأوا  كائنات
القصائدِ
صفّاً
فصفّا


2- الراعي



جفل الراعي من غنمٍ أبطأ مِشيتَهُ
واتخذ الوعلَ دليلا
قرأ الليلَ الماثلَ في غيب الملكوتِ
وقال: سأخرجُ وحدي
علَّ بلاداً أخرى تعرفُ حنكة أجدادي
وتذلُّ قليلا
جفل الراعي
ورآنيَ مستتراً بالموتِ
وخلفي كلُّ ملائكة الأرض تسيرُ
وقد أبصرها قلبي في مدن النّعشِ تنامُ
لعلّ القادمَ بعدي
يتّخذُ الموتَ خليلا


3- تناص



في التجربة الأولى للسّرد القصصيِّ
تناهى لي أنّ الراوي لا يتقنُ
فن الشعرِ
فقلتُ أدرِّبُهُ
علّ السيرةَ تفتحُ لي
سبعَ مدائنَ من ذَهَبٍ
ورصاصْ

في السطر الآخر للنصّ النثريِّ
رأيتُ حفيدَ المتنبي
يكتبُ جملتهُ
بدمٍ من حبرٍ وأجاص
في الجملةِ بعد الألفِ
نسختُ كتاباً يخرجُ من شَفَةِ الريح
ويسبقني
فحفظتُ النصّ العلويَّ
وقدّمتُ ولائي للمتنبي
هل كان حفيدُ المتنبي يعرفني
أم كنتُ أنا المتورّطَ في جملتهِ
وأغار عليهِ من العنبر والوردِ
وسوء الطالعِ
من تحضير الأرواحِ على ورقٍ
وتناص؟!


4- شجر أخضر



قبل صياح الديك
وقبل ولوج التربةِ في معناها
قبل هدير الساحلِ
إذ يتتبّعُ رملُ الناس حدودَ الشاطئ
قبل نفور الطائرِ من نقراتِ الموتِ صباحاً
قبل دخولي في المتخيّلِ
أُعطي سيّدة البريةِ رأسي
وأداري غضبي من نقرات الحدسِ
هذا ما أفصحَ عنهُ الشجرُ الأخضرُ
حين تركتُ مدايَ على سعة الفوضى
وأتيتُ أُعَلِّلُ قوسي
كيف تداري غبطتها عين الشمسِ!!


5- لصّان



       -1-
بينا يسبقني الحارسُ خلف البيتِ
لينهرَ لصّاً
لا يعرفُ كيف يمارسُ سطوتهُ
أفتحُ باباً خلفيّاً
لأرى خيبة هذا اللصِّ
فما في البيت سواي

قلتُ لهُ: لا تحزن
فأنا مثلك أسرق نفسي
وأخبئها تحت جناح الغيبِ
وأمشي
أجلستُ صديقي
فوق حصير القلبِ
وقدّمتُ لهُ كأساً من طازج همّي
بقليلٍ من عنبٍ
وكثيرٍ من ماءٍ
كان تسرّبَ من أصبع يمناي

وقفزتُ به فوق السّورِ
وقلتُ لهُ: هذا بيتكَ لا تتأخّر
إن ضاق بكَ المعنى
ووجدتَ الناس سكارى
والمرضعةُ الحيرى
تُغلق ثدياً للحلمِ
أمام الطائرِ
لا تتأخّر
فالحارسُ كفّ عن الفوضى
ونبيذي معناي!!

          -2-
قال اللصُّ العابرُ ظهر سطوح الغيم لجارتهِ:
أين اللعبةُ تلك ال.. كانت
تفتح لي كلَّ مساءٍ شرفتها
وتغنّي لوقوعي عن درج البيتْ
قالت: خبّأها العاشق تحت الليلِ
وغطاها برموش الوقتْ
قال، وقد أيقنَ أن الوقتَ يمرُّ سريعاً: دُلّيني
لأعاينَ جمر خطاها
وأعيد لتربتها بعض الزيتْ
...علَّ رياحَ النهدينِ تشيرُ لسكان الحارةِ
هذا من كان فتيّاً قَلِقَاً
حين ترجّل والدها عن سكرتهِ
ثمّ تنابز في المرآةِ خيالَ الناسِ
وقال: ارحل في ليتَ
وهَيْتْ!!



6- ألوذ بالمعنى



       -1-
تنادوا هنا مصبحينَ على حرثها
ثمّ خاطوا مناديلها
حزمتُ لهم أمرَ ريحي
وصغتُ قناديلها
عجّلوا بالتقاط يدي
ثمّ راحوا إلى الموتِ يستترون من الموتِ
أو يسحبون_ كسالى _ تراتيلها
هُمُ الآن في اللامدى عتّموا إيقاعهم
واستفاقوا على جمرةٍ في يدٍ
سرّها أنها مثل أسطورةٍ للشراعِ
تعيدُ إلى الموجِ_ خوفاً _أساطيلها

        -2-
أمشي على رمشي
وتخطُفُ هذه اللذّاتُ من إيقاعها نقشي
وألوذ بالمعنى
وأُسْكِرُهُ
وأردُّ للشعراء إيقاعاً من الطيشِ
وأقومُ إذ تأتي صفاتُ الأرضِ أنقشها
وعياً لذيذاً من عُلا العرشِ
حتى إذا ما جمّعَ الماشونَ سيرتَهُمْ
كان الهوى في سعيهمْ نعشي


إرسال تعليق

حقوق النشر © موقع أحمد الخطيب جميع الحقوق محفوظة
x