هدهد ضيّعتْهُ القبائل



أهدي النجومَ ضيائي
وأهدي القبائلَ فرسانها من دمائي
وأدفعُ بالنخلِ نحو التخومِ الغنيّةِ بالحبِّ 
حتى يُضاعفَ سُكَّرُ أمري

يطاردني في غنائي
زمانُ الشقاوةِ
أدفعُ طيَّ الخيامِ سرائرَ أحلامنا 
ثمَّ أفنى على أيِّ حالٍ
لتجري الجهاتُ ورائي 
وتفنى
وتجري
وفي آيةِ الشوقِ 
ترعى الفتاةُ انتظاري
وتحبس أنفاسها عَدْوَ خيلِ القبيلةِ 
تطوي السلاسلَ بعد الرجوع من الحربِ
تدفنُ أشواقها في غيوم السماءِ
وتحفظُ شعري

أنا نبأٌ غامضٌ
ودمي واضحٌ
فاسألي الأهلَ عن غزوةٍ
جئتُ أرعى خيولاً لها
ثمَّ أكشفُ ظهري
فلا خوفَ
لا ريبَ
لا عتمةٌ في دماء القصيدةِ تمشي على إصبعي
لا عبورَ لرمحٍ 
وقال الفتى ذات وجدٍ: يهونُ
على الذبحِ عمري!!

وكان لها في القبيلةِ عزٌّ
وتسعى النساءُ إلى خِدْرها غايةً
بالحنينِ إلى الشعرِ
قلتُ: إذن في الخيالِ لها عالَمٌ لا قبيلَ لهُ
فاسترحْ يا فتى من جنون الصهيلِ
على باب بيتِ القصيدةِ
واسترْ خواطرَ دهر المرايا
فقد آذنَ الماءُ للماءِ أن يمتطي النهرَ
ثمّ إذا عانقَ الموتَ
كان لهُ أن يموجَ كما الموجُ
في كلِّ بحرِ

وكان لها في الخيامِ أخٌ
ذاقَ ماء الهوى
فانتهى للجنونِ 
ولَمْ تصبرِ الريحُ
في صدره مثل صبري
يقالُ بأنّ يدَ الخوفِ لا ناي فيها
ولا طائرٌ ريّشَ الغيمَ من بعدِ قبرِ

وكان لها حارسٌ
يُوْفَدُ الغارمونَ إليه ليقضي
فقلتُ إذن سوف يقضي بإيقاعِ صبري 
ولكنَّ ظِلٌّ على آخر الدربِ عششَ في الحلمِ 
قلتُ لها: من يكونُ؟ 
فقالت: يقالُ لهُ سائسٌ ابن عمّي
ويحبسُ أنفاسَ صدري
ويدفعُ بالسيفِ
تخشى القبيلةُ منهُ 
فقد لوّح الخوفَ في كلِّ قِدْرِ
فقلتُ إذنْ
إنهُ من يسوقُ الغزاةَ إلى بيتها
فانتظرتُ المطرْ
وغيّرتُ خارطةً كنتُ أعددتُها للقمرْ
وغيّرتُ مفتاحَ بيتي 
وخبأتهُ في مرايا الصورْ
وفي الليلِ نمتُ على حافةٍ عند نبعِ القبيلةِ 
حتى أرى ما يجولُ على كلِّ شبرِ

تعودُ اللآلئُ نحو الخطابِ القديمِ
الجديدُ مرايا 
وفي كلِّ ما قد تُربّي العجائزُ من قبّراتٍ
أرى حاجةَ العشبِ الذي صنتُهُ في القصيدةِ
يوماً يهدهدُ سرِّي 
ويسألُ عن هدهدٍ ضيّعتْهُ  النساءُ بعيداً 
وهل يحرسُ النجمُ غيري

أنا غيرُ ذاتي
وقد كَوَّرَ التائهونَ حدودي 
أنا غيرُ ذاتي
وقد أرجأَ الليلُ في العادياتِ شرودي
أنا غير ذاتي فجودي
إذنْ بالحنينِ على ركبتينِ لأجري
إلى واقعٍ في قصائد كأسي وعُذري
وخطّي على كلِّ بئرٍ ملامحَ لي
قد أتى الدهرُ يوماً عليها
وفاضَ الحليبُ من النهدِ في كلِّ صدرِ

المدى لَمْ يمدَّ غبارَ الحقول على السنديانِ 
انتهى مثل نارٍ تأتّى عليها الهوى 
قاب قوسٍ وفجرِ
هنا واعتقيها من الكائناتِ
ليجري بريدُ الزمانِ المعبّأُ باللامكانِ
اعتقيها
وخطّي ملامحَ صبري
فإنّي نسبتُ إلى الممكناتِ وجودي
وغيّرتُ شاهدةً خلف بيتي وقبري
وفي لحظةٍ خالطَ السيفُ شهوتنا 
انكببنا على العشبِ
قلنا لهُ: كُنْ شاهدَ الليلِ يُمْحى
إذا ظفرَ القوس بالقوسِ 
كُنْ شاهدَ الريحِ يُشرِقُ بالسيفِ نحوي 
ويهوي بهِ
ثمَّ يهوي بخرقةِ طينٍ على سَبَخِ الأرضِ 
يهوي...،
...وأقفلُ عينَ الخديعةِ
أمشي إلى حيث ينأى بنا سهمُ أحلامنا
ثمّ يهوي
وأركضُ نحو الزمان الذي ضمّنا
ثمّ يهوي
فيا حيرتي
كيف أهوي على نسبٍ في الخيولِ
وأفتكُ بالمودياتِ، وأجري
وكانت عباءةُ والدها تحتوينا 
وحين تَضَوَّعَ مسكُ الكلامِ دنا وتدلّى
وقال إليكَ بمفتاحِ بيتي 
وخذ ناقةَ الشوقِ
خذْ حبّة العينِ
واروِ السكارى
وخذ حاجة القلبِ
خذْ شكل كلّ المرايا 
وغادر إذا شئتَ لفحَ الهجيرِ 
وعدْ نحو بيتكَ ظهراً بِطُهرِ
وإن شئتَ بيتاً هنا في منازل أهلي 
عليكَ بأرضي
فقد صرتَ صهري

وعشنا مرايا التجوّلِ بين الجبالِ
وخلف الكلام القليلِ
وعشنا كما نحن نهوى
وصرنا زرافاتِ عين الحياةِ
احتفلنا بإيقاع أوّل طفلٍ نما في مضاربِ
أهل الفتاةِ
الفتاة التي خاتل الموتَ فيها
ابنُ عمّ الفتاةِ بخنجر غدْرِ

وبعدُ
انتصرنا لشمسِ القصيدةِ
خضنا غمار الحروبِ
انتهينا إلى غيرِ ما كان من ثوبنا
وانتصرنا
ولكنّ بِكْري دنا وتدلّى
وساق جهنّمَ نحو القبيلةِ
ثأراً لأمٍّ رآها حليباً على الثغرِ
دمّاً على الأرضِ
ثأراً لأحلام عمري
دنا وتدلّى 
وساق جهنّم قبلي
وقال: استرح يا أبي 
فالمسافة بين القتيل وبين القتيلِ
غضاضةُ نحري

كذا الحربُ دامتْ سنيناً عجافاً 
ولَمْ يخلُ موضعُ جسم الترابِ
من المودياتِ
وكان لنا موضعٌ في السجالِ
إلى أنْ تخلّتْ عن القبرِ
هامةُ ثأرِ

كذلك قال أبي ذات يومٍ: بُنيَّ
إذا عدتَ نحو الترابِ وحيداً 
أقم من صلاتكَ بحراً على كلِّ شبرِ


إرسال تعليق

حقوق النشر © موقع أحمد الخطيب جميع الحقوق محفوظة
x