يربكُهُ المخطئون، فيرفعُهُ الأولياء



                      إلى عمّار الجنيدي

ما الذي ينقص الأرضَ في ليلة الأربعاء؟
_ السّماء!!
والذي ينقصُ الأرضَ في لحظة الانكفاء
_ الدّماء!!
ما الذي ينقصُ الأرضَ يوم الأحدْ؟!
_ المددْ!!
والذي ينقصُ الأرضَ حين تقومُ إلى العشبِ
يا سيّدي
_ الجسدْ!!
ما الذي ينقُصُ الأرضَ يوم الخميسْ؟!
_ العروس!!
والذي ينقُصُ الأرضَ ذات ضحى
_ الوقوفُ على رسمها في المتاحفِ
حينَ تُداهمُ أعمارنا بالعبوسْ!!
ما الذي ينقصُ البحرَ من وجعِ
الأرض فجراً؟
_ القميصْ!!
والذي ينقصُ الفجرَ ليلاً
_ بُرادةُ معنى
   وبيتْ!!

...وتحاشيتُ صقراً يُهرولُ نحو البيوتِ
فأوقفتُ جريَ الحروفِ
وقلتُ: لئلا تضيعَ المحارةُ في الموجِ
أطوي جناحي
وأقلق صمتي
وأخطو إلى قلقٍ في النكوصْ
... وليَ الآنَ بعد الذي كان يجري
هنا
وهناكَ
أبٌ قالَ لي لا تنمْ
فظللتُ أغوص!
_  " الثلاثاءُ " ينسفُ ما أَنِسَتْهُ المرايا
_ الطيورُ لها أنْ تسافر قبلي
إذا شاءتِ الأرضُ غزْلَ الحدائقِ
حتى إذا رَكَضَ " الاثنين " أطاحتْ بأحوالها
والجهاتُ لها أنْ تفِرّ إلى صوتها
قبل ليلِ المطرْ
_" السّبتُ " وما أنِستْهُ الحكاياتُ من لؤلؤ الدمعِ
ظلانِ جدّا على كلّ حالٍ لعزلي
فقمتُ إلى الأرضِ أسعى
ولي بعد هذا السؤالِ رؤًى تستريحُ قليلاً
ولي أنْ أبايعَ نفْسي
هنا رُفِعَ الوقتُ مثلَ دمي في سحابةِ جُمْعةْ!!!
خُشوعاً إذا
أنصتوا للصلاةِ الأخيرةِ قبلَ الدّعاءْ.
سِرتُ يومينِ خلف أبي
ونهاني عن المزجِ بين الغناءِ وبين الرّثاء!!
فانكفأتُ على وجهِ روحي
وعاينتُها للكتابةِ
إذ لا يفيقُ من الصمتِ وجهُ البكاء!
سِرتُ يومينِ
ثمَّ انتظرتُ على شرفتي
ونصحتُ العراءْ
ليس يبقى على الرملِ من أمهاتِ الرحيلِ
دمٌ
خطوةٌ
وكلامٌ
... وماءْ
غيرَ أنّي استدرتُ قليلاً إلى ظلّهِ
وكتبتُ على حُصتي من يديهِ مزاميرَ
حتى إذا جفَّ ضرعُ الشّتاءْ
لوّحتْ للكتابةِ أمّي
وهفّتْ على صبرها
فاختصرتُ الكنايةَ
قلتُ: أنا شاعرٌ ضلّل الشعراءْ!!

... حرفةٌ من نسيج الخيوطِ القريبةِ
منْ نسلهِ
منْ تباريحَ نازفةٍ واشتهاءْ
ونصبتُ لهمْ رغوةً من غيومٍ
وعاجلتُهمْ بالغرابةِ سعياً إلى آخرِ العمرِ
لا يحتذونَ
ولا تستريحُ البلادُ التي عصفُها
سُمرةُ الأرضِ
لا يحتذونَ
ولي أنْ أراوغَ  كأس القصيدةِ
أمّي رأتْ في المنامِ سلالمَ  منْ لغةٍ تصطفيني
أنا غُرّةُ الأصفياءْ
ما الذي ينقُصُ الأرضَ قالت...،
وحلّفني البحرُ: لا تختفي هكذا إنْ تجلّتْ
وكُنْ قبل موجي
رياحاً على صفحةِ الأتقياءْ

المراكبُ مثقلةٌ
والنّدى حاجتي
والنهارُ طريقُ المدارِ
ويربِكُهُ المخطئونَ إذا ما تمادواْ
ويرفعُهُ الأولياءْ
هلْ نفختَ على الماءِ
أمْ كنتَ أنتَ الهواءْ؟!
حاجةُ الأرضِ للعابرينَ إلى حِجْرها
أن تدومَ طويلاً
وتنسى خطانا إلى الصمتِ
تنسى صراخَ الكبارِ
وتنسى سُويْعاتِ جمر الأسابيعِ
إذ نتقي الحبَّ بالموتِ
فارحلْ إلى اللغوِ يا أيّها الموتُ...،
إنّا هَرِمنا
ولمْ نندهشْ
حين نامتْ ديوكُ الخفاءْ
غيرَ أنَّ السؤالَ عن الحربِ
إيقاعُهُ صحبة الشّهداءْ!!

وبقيتُ على شعلةٍ أحتفي بالذي
كرَّ فيه دمٌ واستضاءْ
والعيونُ التي جرّبتْهُ على سُكرها
حمحمتهُ بأهدابها
ثمَّ أرختْ لهُ سكرةَ الأشقياءْ
إنّهُ في القواميسِ حرفٌ
وفي الشّعرِ سرٌّ
وفي لعبةِ المدِّ موجٌ
وفيٌّ لأصحابهِ الأوفياءْ
لم يطأطئ لعشبِ الطريقِ
يداً أو لساناً
ولم تهرمِ الروحُ إذ عاجلتهُ بأسرارها
فانتبهنا لهُ
كيف يأخذُنا من حصانِ الطريقِ
إلى رئةٍ الأرجوانِ
ويمنحنا غبطةَ الأنبياءْ

أيّها البيتُ.../
قبلَ غسيل الشوارعِ
كان يمارس يقظتهُ بالقصيدةِ
ثمَّ إذا الشعرُ ضخَّ لنا سبباً أخرَ للماءِ
كان يمارسُ فطنتهُ
ثمَّ يأوي إلى غصنه بانتشاءْ
الجميلات يهبطن من صحنهِ
في الجبال إلى حقلهِ
وإن كرّ
 كرّ
وإن عُدْنَ
عاد لهُ عشبُهُ
لا يساومُ حتى ولو فرَّ من منجزات البلاءْ
والجميلاتُ في حقلهِ
وردةٌ خطَّ فيها المشيبُ غوايتَهُ
وانتحى الشعرُ فيها إلى جهةِ الشعرِ
ثمَّ إذا جئتَ تُفصِحُ عن سرّها
عاجلتْكَ الإماءْ
والجميلاتُ
إنْ غرّبتكَ المرايا
يهاجرنَ مثلَ القطا
ثمَّ إنْ غرّبتكَ المنازلُ
يمشي المدى في يديكَ
لتبرأِنا منْ قميصٍ إذا صار معنًى
تجلّى.../،
ورفَّ على عينهِ يا صديقي
وغادرَ سربَ المرايا
وقرَّ إلى سحنةِ الأبرياءْ

ولنا تحتَ هذا الرّمادِ صراطٌ
وخلف الصراطِ حجيجٌ
وحول الضجيجِ رعاةٌ أضاعوا الطريقَ
وخلفَ دمي غربةٌ
والطريقُ إلى غربتي
حظوةُ السنديانِ
انكسارُ الكسوفِ
ومرعى الخفاءْ.

_ حظوةُ السنديانِ ترابٌ
وأسمرْ
خلوةٌ للجبالِ العتيقةِ في أرض عجلونَ
 بابٌ لكلّ الرياح التي تخطفُ الليلَ
منْ ساحةٍ بينَ قرنِ الغزالِ
وعينِ القمرْ
ساحةٍ لانفعالِ الجيوشِ
إذا مرَّ من حيّنا وطنٌ قابلٌ للجلاءْ
_ انكسار الكسوفِ
كثافةُ رتلٍ من الأخضرِ المُتّقدْ
جنازةُ غصنٍ تدلّى على شهوةِ البحر غرباً
 ورحمٌ تقرّبَ من لحظةِ البوحِ
كشفٌ لآخرِ صيرورةٍ في الرّثاءْ
_ ومرعى الخفاءِ
خشونةُ صنارة يا أخي

هل تعودُ الأسابيعُ من خضرةِ السفحِ
أمْ من شفاه الصبايا
وهل يتأرجحُ قوسُ الشبابِ
كما لو رأينا السقوطَ الأخيرَ لمسألةٍ طائرةْ؟!!!
هل يعودُ الشتاءُ العتيقُ إلى حصننا مرّتينِ
وقد أشغلتنا الحروفُ
ولم نستردَّ الهواءَ منَ الجثةِ الماكرةْ؟!
فادخلي يا مدائنُ قرنيةَ البحرِ
حتى إذا فاضَ حبرُ العيونِ
وأثلج صدرَ المدى في الضحى
أو محا سرّهُ وانتحى
جانباً
سوف نأوي إلى سُمرة الأرضِ
نحتلُّ جزءً من الرملِ
ثمَّ إذا رَقَصَ الطينُ تحت الخطى
وانتهى خلف صفارةٍ للطفولةِ
نخطفُ باب الغيوبِ
ونمشي إلى جمرة الانطفاء

أيّها الشعراءْ
ادخلوا في الغداةِ منازلَكمْ
إنّهُ قادمٌ .../ 
بيديهِ ندى الكبرياءْ!



إرسال تعليق

حقوق النشر © موقع أحمد الخطيب جميع الحقوق محفوظة
x