مرآة المطلق في بطن الحوت

مرآة المطلق في بطن الحوت


السوسنُ يدخلُ في الحاكورةْ
يتخطّى أرصفة الحزنِ
ويغفو قبل ولادتهِ بدقائقْ
العابرُ هذا الزمنَ المثقلَ بالطعنِ
العابرُ معْ أرنبة الريحِ
وعبر مناخاتِ الفوضى
والعابرُ نحو رصيفٍ حارقْ

أيتها الريح
مذ غابتْ سيّدتي
مذ فتقتْ ثوبَ النزعةِ
في أردية المجهول
مذ كان الأصحابُ بدائيينَ
كماء الخلْق
أشرعتُ منازلَ للريحِ
وأغلقتُ وراءك ذاكرة الإنجابْ

أيتها الريح
أبعادُ المنزلِ يتخمها الركضُ
وراء الغابْ
أبعادُ المنزلِ في الفجر
انتبذتْ ركناً في القلبِ قصيّاً
واتّحدتْ إذ فار التنّور أخيراً
وتلاشى الميِّتُ فينا
وتساءل: من كان يجلجلُ بالصوتِ
وينأى خلف منازلهِ؟
من كان وديعاً
يتخطَّى أرصفة الأرض البُورْ؟
من كان يعلِّقُ في المأتم
حالَ ولادتهِ
غربالَ النُّورْ؟
كان الولدُ الصقرُ
يداعب أرملةَ الجبليّ
والشاهدُ كان بلا قَصْدٍ
يتناهى للشرفاتِ رئيَّاً من زاوية الغابةِ
لكنْ حين تمادى معَ أرنبة الريحِ
تنازل عن جثتهِ
وأناخ الشارعَ دون عتابْ

أيتها الريحُ
أقيلي للنائم عثرتَهُ
فغداً لا بدَّ يموتْ
أيتها الريحُ 
وتيهي في النصفِ الآخر للعمرِ
لأني ما زلتُ مضاءً بالياقوتْ
وانتبهي
إذ أبقى منتعشاً في التابوتْ
أيتها الريحُ سكوتْ
فأنا إذ أركضُ في الظاهرِ
مرتعشاً من موتي
أُخفي في الباطن ماءَ الجبروتْ
وأشقُّ البحرَ
أغيثُ قطارَ الرحلةِ
والدارَ
ومرآةَ المطلق في بطن الحوتْ

قالت سيّدتي للعنّابِ
أدرْ للشاعرِ كأسَ الغيبِ
ولا تنسَ الأولادْ
فأدار العنّابُ الجفنَ لقرص الشمسِ
وغابْ

سيّدتي
ترقبُ في الليل خيولي
تكفلُني إذ أغمض جفني
أو أشربُ كالطفل مرارتها
وأناغي في هدأة روحي
أسرارَ اللبلابْ

هل أنبشُ ذاكرتي
وألملمُ ذاكرةَ اللبلابْ
أو أتناسى أني لَمْ أفقدْ ماءَ الوجهْ
أو أتحاشى الزحمةَ في الأسماء
وأشغلُ بالَ الغيمِ
وأسفكُ من يدنا كلَّ أصابعها
كي تشهدَ آخر أغنيةٍ في البال
أو أشغلُ بالَ الغيمِ، وأنسى
أنَّ الميِّتَ في أروقة الحال
رنَّحَ ذبذبة الوتر الحارقْ
وتنازلَ عن قتلي
قبل ولادتهِ بدقائقْ



المقال السابق
المقال التالي

كُتب بواسطة:

0 Comments: