تحولات
شخصية النَّصّ الشِّعري
في
ظلِّ الحامل الوراثي
قراءة
في كتاب " الشعرية المتحركة" لأحمد الخطيب
حسن البوريني
وقع بينَ يديّ كتابٌ يتعلق بدراساتٍ حول
(الشِّعرية المتحرِّكة ) وهو بمثابة قراءات في واقع المُتخيّل والتخييل في الشعر،
شعراء شمال الأردن نموذجاً، منشورات وزارة الثّقافة /إصدارات إربد مدينة الثقافة
الاردنية لعام 2007 للشاعر الأردني أحمد
الخطيب .
أن تقفَ بحضرة شاعر بحجم أحمد الخطيب، وعلى
مشارف السّهوب التي رفعَ عليها رايات تجربته الشِّعرية التي أجزم أن لا غنى لكل
ماضٍ في سبل الشِّعر، الا أن يمرَّ على ينابيع فيضهِ، فهذا بحدِّ ذّاته أمرٌ محتوم،
فقد أبدعَ شاعراً وأجاد، وها هو يجيدُ الإبحار في خلجانِ الدّراسات التي من شأنها
إماطة اللثامَ عن ما هو مكنون، وعن ما هو مسكوت عنه في التجربة الشِّعرية، عندما
مَحْوَرَ الحركة ضمن محاور ثلاثة : (محور الاشتغال على الذّات، محور الاشتغال على
الموروث، ومحور التبادلية القائم على الأرتدادات من الذّات إلى الموروث ومن الموروث
إلى الذّات ) .
وعن المؤثرات التي تصاحب الفعل التجديدي،
فقد أجملها الكاتب بنقاطٍ ثلاث تتوازى مع المحاور الثلاثة، وهذه المؤثرات بحسب وجهة
نظر المؤلف هي : (اولاً : مؤثر الواقع وما
ينتج عنه من اتصال مع الماضي، وما يتوجب على الذات أن تعمل عليه في سياق التجربة
الأولى، ثانياً : مؤثر المتخيّل والذي يتعلق بمجموعة الرؤى التي لها علاقة
بالتجربة على اعتبارها الفاعل المهم للتجديد لا بل والمحرك له، ثالثاً : مؤثر
التخييل والذي يجمع ما بين الواقع من جهة والمتخيّل من جهة ثانية حيث يعتبرها
المؤلف حالة متقدمة في التجربة الشِّعرية ) .
علّق المؤلف كثيرا على موضوع ديمومة الحركة
في التجربة الشِّعرية، فالحركة تجعل من المادة الشِّعرية غير مستقرة، مما يجعل
النّص مفتوحاً، وبذات الوقت ساعياً للقبضِ على التجلي الشِّعري في اطار ثالوثي
تتجنّسُ هويتُه ضمن الاطارات الثلاثة : الواقع والمتخيّل والتخييل، لتصبغ على
النّص صفة الكائن الحيّ الذي يمتاز بالحركة والحياة، وما كان ليكون هذا الكائن الا
من خلال التجربة الحياتية المنطلقة من الذات الخاضعة للأنوثة النفسية التي تبقى
كامنة، لا بل ومسكوت عن بعض منها لتعلق الحال بشروط الواقع، فتظهر وكأن التشنج
أصاب أطرافها فخضعت لحضور الحاضر ومؤثراته، مؤكدا هنا على دور المرايا التي هي مَن
تتولى شأن انعاكسات هذا الواقع على شاشة البياض والسواد . كما وتناول المؤلف
المحور الكامن داخل الذات (المتخيّل) حين
قال إن البنية الشّعرية وخلال حركة احتكاكها مع الواقع تُنتج جُمــــلة من المعطيات التي تأخذ بالعملية الشّعرية الى مناطق
شعرية واقعة في إطار المُحايثة الفعلية لكل مولدات النّص، لتُجسد القدرة على
الاتصال بالأدوات والرؤية البصرية، لتكون قادرة على الولوج إلى عمق النفس التي
تجسد الذات، فسرعان ما تتولد محرّكات غير مرئية في زاوية المتخيّل، وتتولى اللغةُ
الكامنة في الموروث توضيح هذا المُنتج الشّعري، وبناءً على الإحالات التي أرادها
الشاعر في عملية التوصيل والبوح غير المكشوف او المُختزل، وهنا بحسب رأي المؤلف
تتراءى الذات أمام مرايا التجسيد والتناص .الى ان يصل المؤلف إلى محور هام وهو ما
وراء الذات (التخييل)، فالفعل الشّعري يكون في سعي دائم لتحريك جملة المؤثرات
الضاغطة على الكينونة بهدف الوصول إلى مرتبة تحمل صفات الحياة المرنة، وهي المرتبة
الزئبقية القادرة على اختراق حواجز الزمان والمكان، وهذه المرتبة تُعتبر مرتبة
التّفرّد وتحكمها ضوابط صارمة وشروط حسّاسة ومعها يكون الشاعر قادرا على اقصاء ما
لا يلزم من الثوابت والمتغيرات التي تقوم عليها البنية الشّعرية لغايات خلق نص شِعري
مُتجانس . وهنا تبدو أهمية الذات في النّص الشّعري فهي ذات فاعلة مُنفعلة كاشفة
ودافعة وحاضرة في السّرد الشّعري، إلا أنّها غائبة عن متن الكلام، لأن شخصية النّص
هي شخصية دلالية متعددة، وذائبة في مجموع الذّوات الشّعرية فالنّص العافية كما
يقول المؤلف هو النّص الذي أصله من تراب ومآله إلى التراب وبعثه من تراب .
وتدور أهمية هذا الكتاب بأنه أتى على بعض
المصطلحات غير القارة في النّص النّقدي مثل : ( الحامل الوراثي، النّص المُخصّب،
حركة الثابت والمتغير)، حيث تعاملت المصطلحات مع الفعل الإشاري الذي يسعى إلى تحويل مقام اللغة من مقام إخباري إشاري إلى
حال يتكىء على معراج المتخيل، بدء من إطاره الخارجي وانتهاء بإفرازاته، وهنا يجب
الالتفات إلى النّص المُخصّب الذي تعالقت معه وتعبأت قواريره بصفاء اللغة وسيولة
موسيقى المعنى، وامتزجت وقائع حياته ( حياة النص) مع رؤيا الخيال والمعراج
البكر وهو ما أطلق عليه المؤلف " النص الطيني المخصّب" النص الذي يرتقي
بالواقع ويلفت نظر المتخيل إليه ) . ولتوضيح ذلك جاء الكتاب على ذكر جينات النص
التي تسعى إلى إقامة علاقة جدلية بين ذكورة الكلام وأنوثة اللغة وعلاقة الحامل
الوراثي بالنص الطيني المخصب الذي يقوم بدوره على تجديد محطات التجربة والتعامل
معها من خطابها الواقعي ونقلها إلى مساحات التأويل.
كما يؤكد المؤلف على ضرورة تقديم جوهر المعنى في البنية الشعرية وامتداده
إلى خارج حدود أسوار المعنى المقيّدة، لاعتماد النص على واقعة محاكاة الآخر،
وهيمنته على القشرة النصية، من عوامل التخصيب وإسناد المهمة للحامل الوراثي لنقل
الحالة الشعرية من حالة رسم للواقع، إلى حالة متخيلة.
ويصل المؤلف في كتابه الى ان اشتغال النص الطيني المخصّب يقوم على المتحوّل
في صورة اللغة، وجزئيتها، لأن الأصل ثابت – كما يرى - ولا يجوز التعامل معه بالتحريك، تماما مثلما
اشتغل النص الشعري الحديث على جزئية وهي التفعيلة وهي متحركة، بينما البحر بقي
ثابتا، حيث نقول هذه القصيدة على تفعيلة الكامل أو البسيط أو غير ذلك ولا نقول هذه
قصيدة على بحر الكامل
خلاصة القول ان
هذا الكتاب كتاب تناول العديد من المناحي الفلسفية التي تخص الشّعرية المتحركة.
لما تقدم وقبل الوصول إلى نهايةِ النّص،
فإنني اؤكد على إنني لست بناقدٍ وما قُدِّر لي أن اكون ولكن ما كان مسطوري هذا الا
مجموعة من النقاط التي أخالها بمثابة شواخص، لا بدّ لكل شاعرٍ أن يمرّ على إحداثياتها،
ويكون لزاما عليه أن يعود الى كتابٍ عمره ناف عن السنوات السّبع، وظل كمكنوز مكنون
حيت قال الكاتب في خاتمة كتابه أن الابواب التي فتحها قد فاتها مفتوحة أمام
النُّقاد والدّارسين، ليبحثوا في آليات عملها وتشابكها حيث علّق المفتاح على مدخل
كل باب منها، إيمانا منه بأن أخيرَ العلم ذاك الذي يعم على الجميع.
0 Comments: