واقع الرمز

 


    

 لم يكن الجبُّ الذي اختاره أخوة يوسف  ، إلا علامة للحكمة  ، ولم يكن الذئب إلا من مفرزات الزُّلفى  ، واقترانها بالتقاء الزمن مع نظيره المكاني  ، ولم يكن القميص إلا من الشواهد المتأخرة على بنية الحكمة ومشتقاتها  ، ولم تكن الرؤيا إلا مفتاح الحديث عن التطوّر النفسي لكلٍّ منهم  ، بعد انتشار اللجاجة في قميص الحيلة والتوتر وإشباع اللغة بلونها الرمادي

_ نحن عصبةٌ تتقمّصُ رئتاها مفاتيح التكوين الطارئ

_ لم تكن الرؤيا إلا جبلاً  ، لا يعصمنا منه إلا بركان الحيلة

_ إذن نستند على دحرجة الصخرة في وادي النسيان

    وتدحرجت صخرة النسيان

  حاولوا أن يتمدّدوا في خلايا الخسوف  ، بما لديهم من أفكار منصهرة بدرجة غليانٍ لا تقشّرُ في لهيبها قصب الذكرى  ،حاولوا  ،واستعدوا  ،غير أنهم فرطوا كحبة الرمان على صحن النهوند  ،فرطوا  ،واستحكموا في لعبة الجزرة تحت طائلة الوسطية في تبنّي الفكرة  ،انتبهوا لشعرةٍ في جسد الخشب الذي تحيط به دودة القزّ  ،فقرروا  ،وانسحبوا من ثيابهم  ،وعمّدوا رياح مؤانسة الرمز بمواقع النجوم في ظلال التبنّي  ،وتبنّوا عطارد بما هو طارد ومحيط.

   السيّارة التي فتحت نفق الذات والمغايرة  ، هي ذاتها التي تدلي بدلوها في مقام غياب الرمز المحمول على جناح التبنّي  ، والمشبع بالأرجوان   ، والتأويل

_ حاجتنا أن نبني هرماً من أجل بلوغ الأسباب

_ وأن تكتحل العين بجمجمةٍ تبقي ذاكرة الشيب أمام المرآة

_ حاجتنا أن نأخذ من الحكمة منزلها الأوّل  ، وبكائها الأخير

_ ولنا أن نضغط أعصاب الورق المشحون بطاقة هذا الرمز

   في لعبة الجزرة ثمة ميدان للسبق  ،وثمة يدٌ لا تخطئ رماحها  ،وثمة من يشتري ويبيع  ،وفي لعبة الإقصاء ثمة صفٌّ دراسيٌّ مفتوحٌ على التأويل  ،يقبض  ،يبسط  ،في ديباجة ما تبقى للرمز  ،وثمة

واقع لا يدخل في واقع من يصنع من حرف مطويّ تحت رماد الخوف  ، أسئلة النصّ الكوني

   كن فائض هذا الماء على جسد الأرض الباقي  ،أو سوف تحيّرك الأنفاس بمن سوف يصلي في الليل على ريش نعاسك.     

   خرج الرمز محمولاً على بطانة الهزائم  ، بعد أن لوّحته منازل الكسوف والخسوف  ، دخل في عباءة

التناص  ، وصعلكة الجبال والوديان والسهول  ، دخل فارداً أنصال نفسه  ،وقدرته على تحمل منجزه الدلالي  ، فرد بوصلة حكمته باتجاه الشمس وهي تداري سوأة المجرات  ، لم تشفع له تلك القصائد التي في قواميس الجبال والكهوف  ، ولم تستر قلّة حيلته تلك الحبال التي كوّنتها فزّاعة الليل  ، ونشوة حراس الحدائق العلوية

_ منذ تَداخُلِ صيَغِ الكبتِ  ، ونحن نداري صفة الذات

_ نهمز للعرّافين بأن لا تتحوّل فروة فنجان القوة إلى شُعَبٍ  ، حتى نسلك في درب مواراة الرمز

_ وعلينا أن لا ننسى الحكمة في الجبّ  ، إذا شئنا أن نطمس زمناً مفروقاً بين الرؤيا والرؤية

     المسافة الفاصلة بين مشكاة الداخل والحارات العلوية  ، هي مسافة وهميّة  ، رسم أطيافها مؤلّف مسرحيّ ماهر  ، ومع هذا لم يجد الرمز أمامه سوى اختراق وهمية المسافة التي قادته إلى شمال الكلام  ، وشرق قوس قزح  ، وجنوب الكسوف والخسوف .

    بقيَ من الرمز جذره الراسخ في الموت والحياة  ، منتظراً طائر الرماد  ، وقابضاً على الجمر  ، لم يثنه الصلصال الذي يتشقق من بين أصابعه  ، عن دورة الحياة في الموت  ، ودورة الموت في الحياة

_ المسافة التي بيننا ليس عائقة لتشكيل مرآة القصيدة من شتاتها

_ وليست واجهة حريرية للكتابة  ، بل هيَ حامل أثيريّاً للصور والمفردات

_ القصيدة هيَ منتجع العودة إلى ديوان العرب  ،

_ وهيَ حارس الفصول لبكارة الأرجوان  ،

    اتخذ الرمز له أرضاً حدّدها أهل الصفوة في الحارة العلوية  ، يحيط بها ألسنة الأشعة فوق الحمراء  ، ويمنحها تلُّ البوادي الظلّ الساكن  ، ولها بابٌ واحد  ، رغم انفتاحها على جبهات الكلام

_ التنقل بين الكهوف والغابات يشبه الرحيل بين مبتدأ الرؤيا  ، وخبر الجبّ

_ أحد عشر كوكباً مفصل تكويني لطاقة القميص

_ الشمس والقمر حارسان للتأويل والخضوع إلى ميزان الإرادة  ،

_ والإرادة في الأرجوان وحدائقه

_ وفي لثم عود القصب  ، وأصابع المفردات

    كم راودته قشور المدائن عن نفسه  ، وهيأتْ له نار الأساطير  ، لكنه استعصم  ، وكم خمّرتْ له الدوالي عنباً   ، فأراد حضور الذات في غيابها   ، دخل في متن السياج ألشوكي  ، متكئاً على ضآلة المتن وعمق الأسئلة  ، بَحَثَ عن رمز الرمز  ، وفرد جناحيه على باب القصيدة   ، وأحاطتْ به سريرته

_ فزّاعة الليل  ، ودم القميص  ، طاقتان للذبول والحلول  ذبول الخطى فوق طين تشقّقه رغوة انسحاب الأخوة من مواجهة حديث الكلام  ، وحلول المفردات في قميص الحكمة وحكمة القميص

_ القضبان الحديديّة هي المستند المتخيّل للعبور إلى طاقة القصيدة

_ العذاب  ، والعصف الجسدي  ، هما الإيقاع الداخلي والخارجي للقصيدة

_ الفناء هو حضور المفردات في المركب الجمعي للنصّ .

    جلبة من المفردات التي صاحبتْ تقطير مياه النصّ العلوية  ، وهي تنسكبُ من خزّان البحر المتوسط ومستودع أحلامه  ، إلى الأرض الممتدة بين ذراعيِّ الكلمة   ، ولم تفق هذه المفردات من ركونها إلى العالم الافتراضي  ، إلا بعد أن تلمّستْ قدرتها على خلخلة البنية الكلامية  ، باتجاه تأصيل حالة الوعي القائمة بين أنا الذات وأنا الجماعة .

_ لماذا لا يشكّل الغيمُ حالة للفصل والوصل ضمن معطيات القصيدة ونتائجها ؟

_ لماذا لا يتحلل الحصى من جمود الطرقات وتشعيباتها ؟

_ ولماذا لا تتخلّل الأسطورة منتجع الواقع  ، وتشكّل امتداداً للتاريخ الزمكاني  ، هيبةً وحضوراً وقناعاً قادراً على مراوغة التناص المجاور ؟

  فُتِحَتْ رئة المنفى  ، وغربة مشكاة الداخل  ، واقتربتْ زلزلة الكهوف  ، وأخذتْ خيوط العنكبوت بالتلاشي  ، وانسحبتْ حنفية العطش التموزي باتجاه تأثيث حناجر الكلام  ، ولم يبق في الهاجس القريب سوى بطاقة الحياة.


إرسال تعليق

حقوق النشر © موقع أحمد الخطيب جميع الحقوق محفوظة
x