قصائد ابن يوسف الفلسطيني / من أثر الغياب



1- هذا أنا بين نسلين



عِوَضَاً عن دم الشَّمسِ
تأخذُ قبرةُ الأرضِ أبناءَها
باتجاهِ رؤى الأغنياتِ
وتختالُ فوق سريري

عِوَضَاً عن حياء العذارى
أدرتْ الكؤوسَ دماً خالصاً في شعوري
لعذراءَ تسندُ رأسَ الفتى
حين يأتي وحيداً
ويشهدُ سِفْرَ الندى في مصيري

إذنْ
فامنحوا القلبَ وردَ الخيالِ
ولا تأخذوا سيرةَ الشِّعرِ
مِنْ مهرجانِ الحريرِ

هكذا تسطعُ الشَّمسُ مِنْ ظلِّها يا أبي
وأنا واحدٌ في شعوركَ
أحتاسُ مِنْ غيمةِ الزمهريرِ
وأنا واحدٌ في شعوركَ
ألتمُّ وحدي على إرثكَ الأبويِّ
كما السنديان على حاجةٍ
في السؤال الغريبِ الأخيرِ

لا تلُمْ ابنكَ
الأرضُ أصغرُ مِنْ أنْ تَرى
ما يُخبَّأُ خلف مرايا الضريرِ

عِوضاً عن قدومي إليكَ
على طائرٍ لَمْ ينلْ عشَّهُ مرَّةً
مِنْ غبار الغيومِ
تسوقُ مرايا الترابِ الذي لا يُسوَّى
هنا الحبُّ يكمن في اللاشعورِ
لا تلُمْ ابنكَ الآنَ
خذْ ما يؤثِّثُ فيهِ المكانُ
عصافيرَ تمشي إلى عشِّها
مِنْ مناخ النُّشورِ

قال جدِّي
بأنيَ في غالبِ الأمرِ مثلكَ
أحتاسُ مِنْ وردة
قاطفُ الحبِّ فيها أبٌ لَمْ ينمْ
منذ أنْ عاد مِنْ نومهِ مثخناً بالكواعبِ
هذا أنا بين نَسْلَينِ أرعى السَّحابَ
وأمشي إلى أنْ أردَّ الصدى
عن جذوري!


2- أنتمي قبل رأد الضحى



أنتمي قبلَ رأدِ الضحى
لدمٍ نافرٍ خالفَ السُّحبا
ثُمَّ أتبعُ في الممكناتِ الأصابعَ
أبكي على وترٍ
نصفُهُ لا يرى نصفَهُ       
ثُمَّ يمتازُ عن شَبهٍ في الهواءِ
ولا الريحُ تخبطُ أنفاسَها خَبَبا

إنّهم مِنْ ورائي
أمامي سقوطُ الخيالِ، الغموضُ
وإيقاعُ سنبلةٍ لَم ترَ الريحُ فيها أبا
ولَم تقترفْ غيمةَ الظلِّ يوماً
ولَم تخبر القبرات بماضٍ خَبا

إنهم مِنْ ورائي
تراثُ أبي في الحديقةِ
بَرْدُ الصلاة على شاهدٍ نامَ، وانسحبا

إنهم مِنْ ورائي
إذنْ فاتبعوا مِنْ دم البئرِ
جرحَ الوليدِ إلى البئر
هذا بكاءُ مَسَرّاتِنا في الخروجِ مِنَ الموجِ
لا ترحلوا في الشَّتاتِ
ولا تتركوا مِنْ دنانِ الهوى عِنَبا

وأنا يا أبي في الصعود إليكَ
أرى إخوةً علَّموا الليلَ بالمنجنيق
وهالوا تراباً عليَّ
ولَم يحفظوا للفتى نَسَبا


3- لماذا يكتمون صراخي



كالمساء الضرير الذي لا عيونَ لهُ
يا أبي
جئتُ أحذفُ وجهَ بنيكَ مِنَ الذَّنبِ
إذ يُضمرونَ دماً في فخاخي!
ولا يأبَهونَ لصلصالِ نفْسي
أنا مثلهم يا ابي
فلماذا إذنْ يكتمونَ صراخي!
وأنا أعتني أنْ ينالَ دمَ الأرجوانِ
أخٌ لَم يلِدهُ مناخي
ليمشي يعدُّ السلاحَ الخياليَّ
تَهْجُرُ أبناءها الراحلاتُ إلى القلبِ
تَهْجُرُ
فيما سأهجرُ بابَ الخيال المقفَّى!
وفي كلِّ يوم يدور الضُّحى
يا أبي
سأحتاجهمْ
واحداً
واحداً
نحن أوْلى بِهم مِنْ غبار الفخاخِ!!


4- وأنا واحدٌ في شعوركَ



وأنا واحدٌ في شعوركَ
لا ريحَ بعد انسحابي مِنَ الموتِ
تأخذُ زيتَ الخطى مِنْ سراجي

وها أنذا أنْهَلُ الحبَّ مِنْ قامة السَّروِ
أسري كمنْ لا يرى الفجرَ
إلا إذا نام أكثرَ مما سيلزمُ للحلمِ
في السِّجنِ
أمشي لتأويلِ شكل الحوار الْمُسجّى!
وتأويلِ ماذا يقول الصديقانِ
نحن امتلاءُ الخوابي بماء الصدى
ثُمَّ أحتاسُ وحدي
على ناهدٍ في الحواسِ 
مكانُ الندى عالقٌ في سياجي!

ولهُ أنْ يحدِّدَ ميراثهُ
مِنْ جنون النساءِ اللواتي
أهلنَ عليهِ الأصابعَ
مع كلِّ قطرة ريح تمرُّ
كما الحلم في نشوةٍ
من زجاجِ

ولهُ أنْ يرى
أنهم يقلبونَ الزجاجَ
على أثر مِنْ عجاجِ

وأنا واحدٌ في شعوركَ
لا شيءَ ينقصُ مِنْ جذوتي
إنْ تركتُ الرصيفَ إليكَ
لتفردَ بابَ السماء على إخوتي
كي أرى طلقتي بين حالينِ
مِنْ كهرباء الطفولةِ
لا شيءَ إلا ذهولي
وبوح احتجاجي!



5- هكذا أتبع السببا



وأنا واحدٌ في شعوركَ
أنمو وحيداً هنا مع بكائي
أرى دمعكَ المرمريَّ الحرونَ
تنالُ الأصابعُ منهُ اشتهائي
لتبقى على حدِّ عينكَ
تنظرُ في عودةِ الابنِ
لا شاهدٌ في انتظاركَ
إلا دمٌ نافرٌ في غنائي!

غبطةً يا أبي مِنْ ردائي
لقد فرَّقوا غيمتي عن سمائي
تماماً
كما يفعل السنديانُ الغريبُ بمائي
وأنا واحدٌ في شعوركَ
أمنح قلبي إلى إخوةٍ
في نسيج انتمائي!!


إرسال تعليق

حقوق النشر © موقع أحمد الخطيب جميع الحقوق محفوظة
x