في السؤال عن الحبِّ والحرب/ قصائد الأندلس



1- أسطورة الفراغ



الفراغُ نشيدُ الغبارِ إلى القافيةْ
نهارٌ حزينٌ تكلَّمَ حين وطئناهُ دهراً
وطاف بنا حول ناي الرعاةِ
كما الهاويةْ!

الفراغُ مرارةُ مَنْ لا يُسمّي الغبارَ يَدَاً
والحياةَ سؤالاً عن الموتِ
والموتَ ريشَ نعام
ينامُ على عطشٍ لائذٍ بالسَّرابْ!
والفراغُ يدُ الأرجوانِ
تطالُ يَدَ الناسِ ليلاً
لتسكنَ في تلَّةٍ عاليةْ
في التلال القريبةِ
يغزلُ ثوبُ الرمادِ حياةَ الفراغ
لتسقطَ في الحالِ، هذا تناصٌ بعيدٌ
لأمشي إذنْ باتجاهِ الكنايةِ
لا شمسَ تشبهُ رأسَ التلال البعيدةِ
لا حارةٌ نائيةْ

كان مثلي يُقلِّبُ آخرَ خيطٍ
ينامُ على عطشٍ
ونصابُ بأكثرَ مِنْ جنَّةٍ عاليةْ

لا حوافَ لأسطورةٍ في الفراغِ
ولا مِنْ صديقٍ هنا في الطريقِ
إلى سندباد الفراغِ يؤثِّثُ أبراجَهُ العاريةْ
هكذا مرَّ في لعبة الموتِ
ثُمَّ اكتوى بالحوارِ
ونامَ على لغةٍ جاريةْ


2- صاحب الأندلس



سأدخلُ بوابةً
مِنْ مرايا تناثر وحيُ الزجاجِ لديها
فدلّتْ عليَّ الرعاةَ، ومرّوا على
صاحبِ الأندلسْ
أقاموا السَّلالِمَ معصوبةَ العينِ
لَمْ يسحبوا للهواء دماً
مِنْ رموشِ العذارى
وكنتُ أنا شاهدَ الزعفرانِ
وموئلَ هذا الحَجَلْ

يُدارى هنا
آخرُ الجالسينَ على الرملِ
لَمْ ينحدرْ نحو باب القصيدةِ
كانت تسوِّغُ أيامَها الكائناتُ
وما مِنْ كلام وصلْ

تمنَّيتُ في غربتي
أنْ أرى السنديادَ عجوزاً
يعيشُ على القمحِ
أنْ أسمعَ الناي يجتازني مُفرداً
باتجاهِ الطَّللْ

كثيرون جداً
ونمشي بنا نحو باب الترابِ
ولكنْ أقلَّ مِنَ الحشرجاتِ، أجلْ


كأنَّا نُداري مِنَ الخوفِ
سرَّ الذي قد يحنُّ لسوقِ الغزلْ
ربما لا تجيءُ الرياحُ
كما نحن جئنا فرادى
ولا شيءَ في ثوبنا المرمريِّ
سوى أننا واحدٌ
في كتابٍ طواهُ الأجلْ

هنا في السُّكونِ المثاليِّ
حارَ بنا الموتُ
إذ لا سواقيَ فينا لهُ
أو زرافات تحفلُ بالركضِ
والركضُ ريشُ دمٍ في البعيدِ
وحيث أنا مُحتَمَلْ


3- توقيعات



القصيدةُ في الجريدةِ
كائنٌ حيٌّ ولُودْ!

الغريبةُ حالةٌ لصدى
يفورُ من الجريدةِ في ضحى الأخدودْ

لا شاعرٌ يرثي ضَلالتهُ
لأركضَ في المدينةِ باحثاً
عن جملةٍ في عُودْ

الأصدقاءُ تذكَّروا كأسَ الغوايةِ
إذ بَنَيْتُ مِنَ الغموضِ
وضوحَ مرآةِ الشهودْ

الصاحبان تشرَّدا في الشعرِ
لَمْ يلقَ السؤالُ جوابَهُ
من ذا الذي يجتاحُهُ المعنى
الولودْ؟



4- دم السيّدةْ



وردةُ الأندلسْ
شِبْهُ ناي تكحَّلَ بالريح ليلاً
ففاضَ الغناءُ على شَفةٍ لا تَرى
غيرَ سيفٍ أعارَ يَدَاً مُصْفَدةْ
قصةً مِنْ خنوع الرعاةِ
أتمّوا الصلاةَ ضُحى كائنات
تلهَّى بها البحرُ، أسودَ كانَ
ولَمْ يحتملْ ما يسوِّغُ كأسَ الجليدِ
مِنَ الغيمةِ المجْهَدَةْ

لا تُضارع عُذرَ الرُّعاةِ
فقد آلَ بي وترٌ نحو بابِ البكاءِ
وطافَ خيالٌ عنيدٌ بأسماء أمي
على دمعةٍ مُسندةْ
ثُمّ طافَ بأسمائيَ الكائناتِ
على حَدَث سوف نحتاجُهُ شاهداً
للخروح عن النصِّ
هل مِنْ تناصٍ قريبٍ يماري دمَ
السيِّدةْ!

كان بيني وبين أبي حارةٌ
في العشاء الأخيرِ تلهَّى بها الموتُ
لكنهُ غادر البيتَ ليلاً
فنامتْ - على جرحِها- مُبْعَدَةْ


منذ أن طافَ دهرٌ مِنَ الانحطاطِ
وشمسُ السَّبيلِ طيورٌ
تُحلِّقَ في عشِّها مُفْرَدَةْ
ضاقَ بالسندبادِ سؤالُ الرحيلِ
أكانَ مِنَ الشَّهدِ أنْ يتبعَ النَّحلُ أحلامَهُ
في الذهابِ إلى وردةِ السيِّدةْ

المسافاتُ تُشبهُ مرآتنا
إذ نطيلُ البكاءَ
وقد لا يعيش الفتى بالخداجِ كثيراً
إذا الريحُ طافتْ بنا مُجْهَدَةْ



5-  بين كَرٍّ وفَرْ




بين كَرٍّ وفَرْ
وتحتَ نزوح الحياةِ عن الضوءِ
قبل انحسار المطرْ
تَفردُ الريحُ مِنْ نفْسِها
جملةً تُختصرْ
جملةً عبَّأ الصمتُ ما لاحَ في حرفِها
مِنْ صُورْ

بين كَرٍّ وفَرْ
تُولدُ الكائناتُ مِنَ الرسمِ
في آخر الموسم الْمُنْتَظرْ


 6- جمرةُ الحبِّ



الغبارُ الوحيدُ الْمُسمّى دُواراً
على الشَّمسِ
حطَّ على وردةٍ في فَم مُختَلَسْ

الغبارُ حفيدُ الكلامِ
وأوَّلُ مَنْ حلَّ ضيفاً
على مفردات العَسَسْ

لَمْ يعدْ ابنُ أيامهِ
حاورتهُ الحروبُ بأحداقِها
فاكتفى بالخريفِ
ومال إلى حانةٍ كلُّ آياتها مِنْ قَبَسْ
شاهدتهُ العذارى
إلى الحبِّ يسعى على مَهلهِ
والخيامُ هي العينُ
لا يذبلُ الجفنُ حتى يحول الظلامُ
على كلِّ شيء
إذا ما تغلغلَ فينا الخَرَسْ

شاهدتهُ العذارى
يحطُّ على صخرةٍ مثل ماءِ النَّدى
كي ينام الحَرَسْ

ربما بعد عام
ينامُ على ركبة الحيِّ
أو يقرع الآن جوفَ الجَرَسْ



7- مرايا التُّحف



في المساء الطريدِ مِنَ النَّومِ
والناسُ ينتظمونَ لردِّ الفِراش عن الحلمِ
كان الغبارُ على رأس بيتِ الفلاةِ
وينأى إلى المطر الموسميِّ
ليصحو على حاجزٍ مُختلِفْ

الغبارُ الوحيدُ الْمُسمّى
دُواراً على الشَّمسِ
حطَّ على ربوةٍ في كلامٍ عتيقْ
وأناخ جداولهُ في ندى الناي
حتى أتَمَّ الرحيلَ إلى صورةٍ
لا إطارَ لها في الغُرفْ
شاهدَ الزَّعفرانَ
يذوبُ على كاهل الريحِ
فاختارَ أنْ يرسمَ الحبَّ
بعد اجتياز الهدفْ

لا يسوِّغُ بوحَ الأسفْ
لا يسوِّغُ ذات ضحى كائنات
تمرُّ على غيمةٍ فوق نهر الخزفْ
لا تقوم لهُ رحلةُ الباحثينَ عن الحبِّ
أو لا يقوم لهُ سيِّدٌ بعد طمي الجِيَفْ

تعرجُ الشَّمسُ يوماً وضوحاً
إلى غامضٍ في حياة النُّطفْ

ربما عاد من فكرة الموتِ
حتى استوى، وانحرفْ
عن مرايا التُّحفْ


8- ليس هذا دمي



وعادَ إلى الحبِّ
عادَ إلى خيمةٍ
واستعادَ ندى الكحلِ مِنْ حيرةٍ كامِنَةْ
واقترافاً لذنبِ الرياحِ
تنامى هنا في الشُّقوقِ
على ذمَّةِ السَّنةِ الثامِنَةْ
لا تراهُ حفيدةُ أيامهِ يحتفي بالمكانِ
لتلمسَ أحداقَهُ
ليس هذا دمي
إنما ظلُّهُ
والمرايا التي جمَّعتْهُ تهادتْ على نفْسِها
واستراحتْ كما البدر في ليلةٍ آمِنَةْ


9- ناي الكهولة



وَحَذَفْتُ الغبارَ
فأنَّتْ مرايا الكهولةِ
أنَّتْ
ولا خافقٌ مرمريٌّ
تبنَّى دماً فائضاً عن ذنوبي الخفيَّةْ
ولهذا غَفَتْ كائناتٌ على ساعد التوريةْ
واقتفتْ ليلَ ناي الكهولةِ
حتى أضاء البُنى السَّرمديةْ

وهنا في الجدار المقابلِ للموتِ
حطَّ مِنَ الورد نحلٌ
وعلَّمَ نافذتي بالطيورِ
لينساقَ مثلَ الخيال على غيرِ عادتهِ
نحو أقفاصِها
وهنا في السؤال عن الحبِّ 
عاد لنخطو إلى حبَّةِ توت نقيَّةْ

أكانت حياتي دماً فائضاً عن ذنوبي
أم الخوفُ مِنِ طائفاتِ الخريفِ
أطاحَ بها في السؤالِ عن الحربِ
أم أنني قادمٌ مِنْ ثرى الأبجديةْ؟

أعدِّي طواحينَ نفْسي الشَّقيَّةْ
أعدِّي العروجَ إليَّ
إلى ما وراء السياج إذنْ
يا بُنيَّةْ


10- والسماء لها حكمة



السماءُ تردُّ على الناسِ بأساً شديداً
لتنتفضَ الكائناتُ
والسماءُ لها حِكمةٌ
أنْ يثورَ الغبارُ على كلِّ شيء
وأنْ يُخْطَفَ الموتُ خَطْفَ النديمِ
مِنَ الكأس لَمّا تدورُ بهِ الساقياتُ

تُطالعُنا شهوةُ الحدْس
والبؤسِ
ليلاً
ونحن نطاردُ أشباحَنا
في الفلاةِ التي عمَّدتْ ظعْنَها العادياتُ
غريبانِ جداً إذنْ
منذ أنْ طوَّحتْ رأسَنا الحربُ
لا قائمينَ على الحبِّ
نكتبُ أسماءَنا فوق ثوب الترابِ
ولا صحوةً تجتبيها الصَّلاةُ

غريبانِ جداً إذنْ
لكم حثَّنا الحبُّ أنْ لا ننامَ
وفيهِ أحباءُ مِنْ واجدِ القلبِ
كانوا غيورينَ جداً
على أن تعود إلى نفْسِها
الأسْهُمُ الصالحاتُ

هنا حكمةٌ
عرضُها في السُّؤالِ عن الحبِّ لا الحربِ
ترفعُ قامتَها للحياةِ
فأين الحياةُ؟

إرسال تعليق

حقوق النشر © موقع أحمد الخطيب جميع الحقوق محفوظة
x