نبيذ الخفاء



-1-
كما لو مرايا الصدى في خيالي
وباب الندى في الغمامةِ خلّي
كما لو سقوطي إلى البئر مرمى سمائي
ونفْسي سماءٌ لأهلي
كما لو قيامي إلى برزخٍ تائهٍ في تراب التجلي
كما لو وجودي وجودك في خلوةٍ
في معارج ظلّي
كما لو نذير السواقي يطالُ الضحى
من بريد الغمام المقلِّ
كما لو ظلالي تميلُ إلى الشمسِ يوماً
وتخطفُ كُلّي
أكون أنا يا شفيعَ الندى للندى
شاهداً كيف يجلو الكلامُ
لطائفَ نحلي

-2-
رفعتُ الضحى
كي يطالَ الندى
رفعتُ إليه االكواعبَ
ينهضن فوْرَ دمٍ خالصٍ من ترائب نَسلي
رفعتُ إليه التراثَ القديمَ
لأغبط ما كان منهُ
وما كان من شجرٍ عالقٍ
في حدائق أهلي

-3-
لَمَمْتُ عذارى الثرى من نبيذ الخفاءِ
على سيلان الكلامِ
هنا في سريري
فرادى
فرادى
لأدخلَ نفْسي من النهاوندِ
إلى يقظة الموت تعْرى
على
نأي
سُؤلي

-4-
وأسرقُ نايَ الرعاةِ
إذا ما فقدتُ الأثرْ
أقودُ ضحايا الخرابِ إلى ثورةٍ في الحياةِ
لأخلع عرشَ الردى عن ثياب المكان
وما من مرايا تجوبُ الصُّورْ
وأنزلتُ شيئاً من الموت عن كاهلي
غايةً في أريج الحواس
لأعطفَ ماء الخطى
في السُّرى
في اليباس
وأنزلتُ نهد النعاسِ
إلى منزلٍ في السبيل، لعلّي
أنامُ
على حاجةٍ
في ارتحالي وحِلِّي

-5-
أتى صاحبي حاجةً قبل وصْلي
طريدَ خيالٍ كتومٍ
فملتُ أنا عن غسيل الندى حين ملتُ
وقلتُ: أريدك يا صاحبي
أن ترى في الخيال بيوتاً
ورمَّمتُها بالصدى
هل جننتُ؟
لماذا أعيدُ سوايَ إلى فضةٍ
في مآثر هذي الغيوم
لماذا أنا هكذا شاعرٌ وكتوم؟
أبوحُ بنفْسي
وألمحُ قتلي

-6-
طفحتُ بماء الكتابةِ بعد انكساري
وها أنذا قادمٌ بالدلالةِ
هذا غباري
رشقتُ به ما تطال يدي
من سماء النجومِ
ونوَّرتهُا بالصدى
يا صدى...
هذا ثأري
وناري
جنوني الذي ما تلهّى بِغُسْلي!    
-7-
نسبتُ عذارى القوافي
إلى وَبَرٍ في خيامي
نسبتَ العذارى إلى سيرةٍ
في خلايا نشيدي   
كما لو رياحي مديد الخطى في منامي
    ويومي على أصبعي
   حين تصهلُ خيلي

-8-
سعى في منامي إلى فضةٍ في عروق العربْ
   سعى للظلال الخفيةِ في الشمسِ
   ندَّ عن السيف
كَنَّ على صورةٍ في مرايا القصبْ
    رأى إذ رأى حارسَ الموت
ينأى إلى خلوةٍ في المرايا
وينأى إلى جملةٍ في احترابِ الخَبَبْ!
    فاكتفى
    بالصلاةِ
    على
    روحهِ
واختفى هكذا في ملاسةِ نخلي

-9-
كما لو حليب السماء
يميلُ إلى أن يراني وحيداً
هنا بين خِدْري ودِنّي
كما لو حياة، وأوسعتها مُدخلاً
 تمّحي في كيان المغنّي
 أعودُ إلى غفلةٍ في الظلال الخفيةِ
 أُوْفي عهوداً تعودتُ أن أبتليها
 وأن أجتليها
 بما ظلّ منها
 وما ظلّ فيها
ولكنَّ مثلي
ينامُ على سعةٍ في اضطراب الهوى
حين يدنو اخضرارُ الندى
من سماحةِ سهلي

-10-
الظلالُ الخفيةُ في مأتم الشمسِ
تسعى إلى جثتي
كي تعدَّ الخسارات
هذا بريدٌ من الشوكِ
مأوى هبوب الرياح
وهذا جدارٌ لأسندَ رأسي

الظلالُ الخفيةُ ما ظنُّها
أنني لا أريدُ البنفسجَ في ساحة الموتِ
حين أنامُ
وحين أواصلُ حذفَ الصدى
عن جنوني
وكأسي

الظلالُ الخفيةُ في مأتم الشمسِ
تسعى إلى جثتي...
هل تعودُ إلى وكرها؟
أم أعودُ سليلَ وجودٍ تنامى
كما لو تنامى طريدُ القبيلةِ قبلي

-11-
لمّني من شظايا الرعاةِ
وما ظنُّ نايُ الرعاةِ
بأنَّ المدى عاش يوماً كتوما
وخلفي تلقِّطُ أسرارَها الشمسُ
هذا أنا قابَ يومٍ من الغيبِ
جئتُ الثرى، فاستجابَ
ولا من نشيدٍ سيعكف يوماً
على جثتي بالصلاةِ
إلى برزخٍ في الحياةِ ملوما

هكذا لمّني من شظايا الرعاةِ
طريدَ مساءين
من أوّل الغرغراتِ إلى مشتهاةِ الوجودِ
أرى أنني لستُ مثلي

-12-
نزلتُ
لينشقَّ ظلي عن الأرجوانِ
ويمحي لجاجة هذا الصَّدفْ
لأنبش بابَ الخرابِ
وأعتقَ نفْسي زمامَ مدى ما رأيتُ
وما قد طويتُ من الأرضِ
في حبَّةِ القلبِ
ما قد نسيتُ هنا في سراجي
نزلتُ إلى مرتضى ما تعسَّرَ مني
سماءً نحاسيةً
وباباً تكسَّرَ حذفَ رضاي

مددتُ يدي باتجاه اليباسِ
لأقطف شهْدي
فجالتْ يمامةُ روحي
حذفتُ الطواحينَ حتى أحوِّط حلمي الحميم
وأحبط ما كان يمكنُ من مفردات الخزفْ
تتبَّعتُ غايةَ ما أشتهي
من مرايا الغمام المقلِّ

-13-
أُساقُ وحيداً
وما من عصا في مقامي
لأكتبَ ما كان يمكنُ من مفردات
ولدتُ يتيماً على باب نهد القصيدةِ
حتى أثيرَ الحليبَ
وأسحقَ ليلَ الرعونةِ في الخلّبات

وها أنذا مثلَ أيِّ نواة
تعجُّ بأحلاس هذا الزمانِ
أخصخصُ نفْسي
وأصحو على خلوةٍ مشتهاة
أصوغُ أباريقَ من فضةٍ
وأباريقَ من سندسٍ في الشتات
لأفتح بابَ الخزامى على الغيبِ
يسحبُ ماءَ الكلامِ
إلى غابة الكائنات
وأفتح بابَ الندامى
على
أثرٍ في الحياة

إرسال تعليق

حقوق النشر © موقع أحمد الخطيب جميع الحقوق محفوظة
x