الخطيب يصدر جبل خافت في سلال القُرى





الدستور - عمر أبو الهيجاء

الشاعر أحمد الخطيب من الأسماء المكرّسة والمهمة في المشهد الشعري المحلي والعربي، وهو من جيل الثمانينيات، هذا الجيل الذي استطاع بذائقته ووعيه الفكري والإبداعي أن يخط علاماته البارزة والمشرقة على خارطة الشعر العربي، هذا الجيل ومن سبقه في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات، شهدت هذه الأجيال العديد من التحولات سواء على الصعيد السياسي أو الاقتصادي، والثقافي، وانعكاس هذه التحولات على بنية القصيدة العربية أوالفلسطينية بخاصة، فكانت القصيدة العربية مواكبة لتلك التحولات وكانت الشاهد الذي قرأ التفاصيل التي نتجت عن هذا الواقع المؤلم، وخاصة ما مرّت وآلت إليه القضية الفلسطينية من النكبة والنكسة مرورا بالإنتفاضة الأولى والثانية وانتفاضة الأقصى، على فترات من الزمن الرديء والمتخم بالأحداث، حيث انشغل آنذاك الإبداع العربي في كافة أجناسه الأدبية بالهمّ الفلسطيني وشتات هذا الإنسان العربي الفلسطيني في بقاع الدنيا.

والشاعر أحمد الخطيب إلى جانب زملائه الشعراء العرب أسهم معهم في الإشتغال ضمن مشروعه الشعري الطويل في معاينة القضية الفلسطينية، فكانت قصيدته التي لا تخلو من فلسفة القول الشعري الذي يقف ويحاكي الهمّ الوطني والقضايا الإنسانية، وفي أولوياتها الشأن الفلسطيني، من حيث البناء المحكم للقصيدة ومضامينها القومية التي تصف وتؤرخ لهذا الوجع والجرح الذي لم يلتئم بعد.

ضمن هذا السياق وما تقدم، صدر للشاعر الخطيب مجموعة شعرية جديدة عن دار الجنان للنشر والتوزيع، أسماها «جبل خافت في سلال القرى»، جاءت في زهاء 275 صفحة من القطع المتوسط.

في هذا العمل الشعري ينحو الخطيب إلى السرد الشعري المبطن المكثف عبر رؤاه الشعرية المتدفقة والمنفتحة على عوالم كثيرة من البحث والمعاينة من خلال التحولات التي مرّت بها القضية الفلسطينية، حيث عمل على ابتكار بعض الشخصيات التي اعتبرت مركزا رئيسيا في هذا الديوان كشخصية ابن شيبان، هذه الشخصية الإفتراضية التي تتحمور حولها مضامين القصائد وهي «سيرة ابن شيبان في القافلة»، وهذه السيرة هي قصيدة واحدة حيث وضع لها الشاعر عناوين مختلفة كل قصيدة مرتبطة مع القصائد الأخرى، حيث يسرد الشاعر الكثير من الحكايات التي تنتمي بجوهرها إلى الإنسان المقموع بصور شعرية متلاحقة تجهد القارىء أحيانا في تتبعها والتواصل معها، هذا السرد الشعري إعتمده الشاعر في عن خيوط الأمل.. ومعنى الحرية المنشود.

في هذا الديوان يأخذنا الخطيب إلى مساحات شاسعة في بناء الجملة الشعرية وأيقاعاتها التي تتماشى وتتوازى مع إيقاع الحياة والحدث وتفاصيله، وكذلك التشكيلات الناتجة من الغوص والإبحار في ذاكرة المكان والزمان، فنجده قد اتكأ على المعمار التاريخي فيصحبنا في رحلة فنية موشحة بالدهشة.. ومحطات أخرى في الأندلس مستذكرا بعض القادة والمعارك هناك، إلى جانب انفتاحه واستحضاره للموروث الديني والعمل على أسطرة الأشياء والأمكنة والكائنات كشخصية «ابن شيبان»، كل هذه الإسقاطات والإستحضارات والمعاينات استطاع الشاعر أن يوظفها بلغة منفردة تجسُّ بحركتها الدائرية ما يكمن من القيم الإنسانية لينهض بها عبر هذه الرؤى النيرة والمخيلة المكتنزة بالمعرفة الإنسانية، وكذلك الأسلوبية المتقنة في بناء الجملة الشعرية التي تجادل الواقع المأزوم.

لاشك بأن ديوان «جبل خافت في سلال القرى»، يحمل بين دفتيه وسلاله المعاناة الإنسانية ضمن شبكة البحث التي خطها الشاعر من خلال شخصية «ابن شيبان»، وتنقلاته وإيقاعه الروحي في شتى البلاد على اتساع جغرافيتها باحثا عن الأمل والحرية المنشودين على هذه البسيطة.
يقول الشاعر الخطيب في قصيدته»لهذي الجموع»، التي تظهر فيها شخصية مريم وزينب، مريم الشاهدة على الألم وزينب تلك المرأة المتعبة، لنقرأ المقطع منها»لماذا أذنت لها أن تمرَّ على هيئة الماء/لا شكل للماء قالت:/سأدرج في هبّة الريح/ما القصائد من طينة تستريح/على شارع طافح بالنواح/ولي صورة الذَّر في لغة نافية/ لأشهد مريم/تأوي إلى زينب المرأة المجهدة/تؤوب إلى رحمها». حوارية تستدعي الوقوف مليا على البناء المحكم واللغة المشغولة برمزية عليا تكشف عن القول الشعري المتقن في سرد الحكاية.
أما قصيدته «ابن شيبان خفَّ عن الشيب»، ابن شيبان الشخصية الأسطورية المبتكرة في الديوان التي تروي حكاياته وأسفاره وترحاله الموشح بالأسى، يقول الخطيب في هذه القصيدة:»وابن شيبان مثلي يجيد التنقل بين الخيام/وبين الحمام/وبين الرهان على صورة الموت/والخلوة العاقلة/وبين دبابيس ثوب الصلاة/وجنحة وزر الحديث عن العورة الغافلة»..إلى أن يقول:»ولا أدّعي ما أقول:/ولكن بيتا من الشعر فضَّ عن السطر أسراره/وانتحى جانبا في مرايا الحراك الأخير/على باب أندلس الحزن/ مرَّ على ورق الأرض بالسنديان/وحط بكاء مريرا/ على بقعة في الخراب/سلام عليه/ على أهله الطيبين الغلابا/ على فزعة لجرير الملول».
والجدير بالذكر صدر للخطيب منذ العام 1985، وحتى الآن: «أصابع ضالعة في الانتشار، حاجز الصوت، أنثى الريح، اللهاث القتيل، مرايا الضرير، لا يقل الكلام، باب القطين، الحِجْر الضيّق.. رواية شعرية، أرى أنه ليس في حلمه، عليك بمائي، أيامه الأسبوع يكتب شمس غايته، رفعتُ خيالي إلى سكرتي، أيها الغيم يا صاحبي في المسيرة «مختارات شعرية»، مجلد الأعمال الشعرية، أحوال الكتابة، باتجاه قصيدة أخرى، وما زلتُ أمشي، حُمّى في جسد البحر، لا تقل للموت خذ ما شئتَ من وقتٍ إضافي». وفي مجال النقد صدر له:»مفرد في غمام السفر، النصّ الشبيه والنصّ الغائب.. قراءات في تجربة عبد الله رضوان الشعرية، الشعرية المتحرّكة، دراسات في دواوين شعراء شمال الأردن».

إرسال تعليق

حقوق النشر © موقع أحمد الخطيب جميع الحقوق محفوظة
x