_____
غرّدا خارج السّربِ
والتقيا تحت ليمونةٍ
بعدُ لمْ تأخذ الماءَ مِنْ نبعها
والتقيا خارج السّربِ
لم يخرجا عن سياج البلدْ
هُما ساكنانِ
ولم يجرحا قطةً
خلف هذا الأبدْ
كذلكَ كانا إذا مرَّ شيخُ القبيلةِ
مِنْ بعدِ ميلٍ وأكثرَ
لا يركضان إلى رأس هذي القصيدةِ
لكنَّ فرط الإجابةِ
كانت إذا مرَّ شيخُ القبيلةِ
قالا: مددْ!
سألتُ الخؤولةَ قبل العمومةِ
قلبي نزيلُ نواياهُ
لكنَّ أهلي تطاول فيهم غبارٌ قديمٌ
وما مرَّ جسّاسُ
إذ كان يبني لهُ في الفراغِ كُليبٌ
مرايا السيوفِ لأجل اليمامةِ
لم يرتقِ العاديات أحدْ
ولكنّ زيرَ الغوايةِ غادر أرض البداياتِ
حتى إذا كفَّنَ الموتَ
قتْلٌ كثيرٌ
تجرأ في كلّ أرضٍ:
"بشسعِ نعلِ كُليبٍ"
سأهدمُ هذا البلدْ
هنالكَ بانتْ يمامةُ فجرًا
وأثقل قلبَ الجليلةِ جرحُ النهاياتِ
لم تنطو الأرض عنهم
ولكن توازى الدليلُ مع الأغنياتِ
فأوصد ليلَ الحروب
ومال ليحصي قتيلًا هنا
وقتيلًا هناكَ
فأعياهُ
هذا
العددْ!
***
______
سردية شعرية رمزية تلوذ بالموروث وأقنعته ، تستلهم و قائعه وحكاياته، تختطف وهجها من أكثرها تأثيراً في تشكيل الثقافة وبناء العقل ، دلالة على النسق الخفيّ الذي شَعْرَنَ سلوك النُّخب و العامّة منذ تلك الإطلالة الجاهلية الأولى لتسترق النظر إلى أكثر مشاهدها إشكالاً ، و أبيَنِها دلالةً في أيام العرب على ثقافةٍ ظننا أنّها سادت ثم بادت ، في زمنٍ مُدانٍ و عصرٍ مضى و انقضى فاستهل الشاعر قصيدته بتقليد من أهم ظواهر القصيدة القديمة (تجريد) يتمثل في خطاب الاثنين من الرّفاق تستعيد إلى الأذهان صراعيّةً كامنة في وجداننا الثقافي منذ أقدم العصور ، استهلال يعيد إلى الذاكرة تلك الروح الجاهلية المتمرّدة في فضاء مكانيٍّ افتراضيٍّ ينطوي على جملة من الرموز المنفتحة خارج المنظومة الأليجورية المحدودة بأفق الدلالة، تتشكّل منها أيقونة المروق و التخلف و العنصرية والرضوخ لأبوية ما زالت تتحكم في مفاصل سلوكنا ، مثقلة بحمولة دلالية تستمد ألقَها من مما هو طبيعيّ وكونيّ و وجوديّ ، يستجمع من الأمثال مذخورها، ومن الثقافة الشعبية الموروثة نكهتها، و من الطبيعة ظواهرها ، في صورة تحتشد فيها عناصر التمثيل و التشكيل : الليمونة التي تستمد ماءها من خارج أسوارها.
تشكيل مشهديّ رمزيّ يتوقف فيه السرد فيفسح المجال لاستكمال التأمل في تلك اللوحة التي تستمد ألوانها من واقع تهيمن عليه مظاهر الزيف ،وتختفي خلف مفرداته حقائق الأمور ، فتلك الشجاعة المدّعاة و الرجولة المنتحلة تخفي خلفها نسقا قارّا من الادعاء (ساكنان لم يجرحا قطة خلف هذا البلد )
وتزداد الصورة كثافةً و التمثيل بياناً نامياً في نسغ القصيدة مع نموّ الدلالة واحتشاد المعاني فيما انطوت عليه القصيدة من تحشيد لعناصر القصة المستوحاة في معادل رمزي لما يدور حولنا ، فثمة مقدمات حديثة تفضي إلى نتائج قديمة ، يتراسل الحاضر مع الماضي فتتوهّج المواجع و المآسي ، ويظل الجرح النازف ينزّ من نبع فائر تغذيه روح انتقادية ساخرة ،أشبه بالكوميديا السوداء ومرجعيات صوفية متخلفة تقتات الخرافة (مدد) ووتأتي الصورة التمثيلية لتلتقط مشهداً واقعياً دالاً على النفاق والتزلف و التماهي مع عصبية جاهلية مظلمة.
بنية شعرية ثرية تتناسج فيها خيوط عدة في نمو مُتّسق ينتهي إلى احتشاد دلاليٍّ رؤيوي تعتصره المعاناة و يستفزه الألم .
0 Comments: