في السؤال عن الناس والحالمين


1- مزمار الكتابة

 

 

 

أَنْجو

نَجَوْتُ

وإذْ أنا أَنْجو، نَجَوتُ وحيدا 

لِعُلُوِّ ذاكرةٍ ومَشهى

لِقضاءِ أيامي التي أَجَّلْتُها

لِغموضِ أصحابي على بابِ المدينةِ

يلعبونَ النَّردَ

أسأَلُهمْ عِنِ الإبْدالِ

والتَّمكينِ

عَنْ جَسَدٍ

وإغواءٍ

ومقهى

فَتَمُرُّ آياتٌ قِصارٌ في كتابي

عَنْ زُنوجِ الرَّمْلِ

يَتَّكِئونَ آخرَ ما رَسَمْتُ لهمْ

ويندفعونَ كالوَرَقِ الضَّعيفِ على جِدارِ اليأسِ

إذ أَنْجو

أُصَافِحُهمْ

وأَجْعَلُ مِنْ خَليطِ القلبِ والرّيح التي تَرعى

أُناسَا غيرَهُمْ

ليكونَ مزمار الكتابةِ أَشْهى

 

 

 

2- سلاح يطمئن على النخيل

 

 

 

كَتَبُوا على قبري      

"هُنا في الظلِّ يَرْقُدُ حارسُ المعنى"

كَتَبُوا

        وغابوا

               واسْتَفاقوا

بعدَ أنْ حَجَزَ الشهيدُ خُيولَهُ

 

كانوا يَتامى في الطَّريقِ

وكنتُ وحْدي غارِقًا في لجّةٍ المنفى

أرى ما لا يَرى الشُّعراءُ مِنْ وطنٍ 

يُجَنِّبُ جُثَّتي أحلامَها

وحُلولَهُ

كانوا فُرادى يَسْبَحونَ

ويَنْسِجونَ

ويَرْقُصونَ

ويأْلَمونَ

ويَنْعَمونَ

وكان نبضُ الأرضِ أسرعَ مِنْ طُقوسِ الموتِ

في غيمٍ قريبٍ مِنْ بُكاءِ النَّجمِ

والكفنُ الذي لَمْ يَتَّسِعْ

لِحُلولِ سيّدتي معي

ما عادَ يَصْطَحِبُ الرِّسالةَ في الطَّريقِ

إلى الفتى

وأنا أهيِّئُ للترابِ سبيلَهُ

 

كانوا كموجِ البحرِ

أوْ أَدنى قليلًا

والصَّدى وَقْعٌ على نَفَسِ التَّوحُّدِ

لا أنا قَلِقٌ

ولا قَلَقٌ غريبٌ في سُطورِ الدمعِ

يَرْسُمُ للنجاةِ فُصولَهُ

كَتَبُوا على قبري     

"هُنا في الظلِّ يَرْقُدُ حارسُ المعنى"

سلاحٌ يَطْمَئنُّ على النَّخيلِ

وقد تعلَّمَ أنْ يضارعَ

في

الغيابِ

دليلَهْ

 

 

 

 

 3- عشرة أفراخ

 

 

مَلأَ الأرضَ صُراخا

والحقلَ فِخاخا

مَلأَ الشَّارعَ عَشرَ جرائدَ صَفراءْ

مَلأَ الدّكانَ بأحلامِ النَّاسِ البُسَطاءْ

مَلأَ الكرّاسَ بفوضى الشُّعراءْ

مَلأَ العالَمَ ليلًا بقناديلَ تمرُّ على لغة الفقراءْ

وغادرَ جُثَتَهُ

 

في كُلِّ الدُّنيا

اسْمٌ ما لا يُشبهُ أيَّ الأسماءْ

اسْمٌ لا يَعْكِسُ فَجْرَ ضحاهُ

ويُمْحى بالممحاةِ

ولا شكْلَ لَهُ

مُنْضَبِطٌ في إعرابِ الجُمْلةِ

برذاذِ الحِكمةِ

لا يطلقُ جُمْلتَهُ

في الخَلوةِ، لأْيَ دَمٍ وصُراخْ

اسْمٌ جمَّلَهُ الدّيكُ صَباحًا

حين رأى في العالَمِ

عَشْرةَ أفراخْ

 

 

 

  4- عِشرة

 

 

 

العِشْرةُ

في الليلِ سماءٌ تفتحُ لي

كلَّ أسرَّتِها، فأذوبُ

العِشْرةُ بعد الكأسِ العاشرِ

أشجارٌ تَذْرعُ نبضَ يدي، فأتوبُ

وإذا ما قَرَأَ الشاعرُ أفراسَا طاغيةً

في منتصفِ الليلِ التَّاسعِ

أحملُ نصْفي،

وأنامْ

العِشْرةُ

في الفصلِ السَّابعِ

رغوةُ أحلامْ

 

 

 

5- استأنسَ بالمجهول 

 

 

 

في آخرِ بيتٍ في الشَّارعِ

حيثُ الجِنُّ ينامُ

وحيثُ السَّرْوةُ تمشي معْ إيقاعِ الأشجارْ

ظَفَرَ الشَّاعرُ بالسيِّدةِ (ال) تَحْبِسُ

في غُرفتها طفلًا

وتداوي الخوفَ مِنَ التيّارْ

 

في أوَّلِ كانونِ الثاني

عَبَرَ الشَّاعرُ دَرْبًا في المُتَخَيَّلِ

صادفَ أُمَا تبكي

قال لها: أينَ؟

فقالت: طفلي سحبتْهُ اللعبةُ

عاتَبَها، واسْتَفْرَدَ في وحْشَتِها

سَمِعِتْهُ السيِّدةُ (ال) تجلسُ في غُرفتها

فَدَعَتْهُ إلى حضنِ الأسرارْ

فأعارَ لها أُذُنًا مِنْ طِينٍ مخلوطٍ

عَرَفَتْهُ الكبرى: أنتَ، فقال: أنا

فتهادَتْ كالملحِ، سرابُ اليوم بطيءٌ،

لكنَّ الشَّاعرَ مَرَّ بِصُورتِهِ

في الذاكرةِ العربيةِ

واسْتَأْنَس بالمجهولِ

وماتَ


 

 

6- الزلزلة الكبرى

 

 

 

الزَّلْزَلةُ الكُبرى

أنْ تأخذ أيامَكَ في الحُلْمِ

ولا تتأوَّل شيئًا عنها

أنْ تفرحَ حين تقومُ إلى كأسِ القهوةِ

والمرآةُ بجانبِ زوجِكَ

تُظْهِرُ هذا الحُلْمَ أمام بَنيكَ

فَتَحْبسُ أنفاسَ أبيكَ

وتركضُ نحو الشرفةِ

تصطادُ

هواءً

وتطيرُ إلى بيتِ الجدَّةِ

في الصَّحوِ أخيرا

الزَّلْزَلةُ الكُبرى

أنْ تُشْعِلَ وَعْيَا نبويًّا

 وَعَصِيًّا

 وتغادرَ بيتكَ

نحو سلالتِكَ الأخرى

نحو تمازجِ حَرفينِ

يَدُلاّنِ عليكَ كثيرا

وتقولُ لزَوجِكَ

أنْ تُكْثِرَ مِنْ مِلْحِ طعامِكَ

أنْ تأخذَ صُورتها مِنْ عُمُقِ المرآةِ

وأنْ تُطْلِقَ في البيتِ

شرارتكَ الأخرى

 


 

 

7- أكتاف الرؤيا

 

 

 

بكثيرٍ مِنْ يقظتهِ

حين تموتُ البنتُ الصغرى

يبحث عن أصبعهِ في الكفِّ المبتورةْ

يتحلَّلُ مِنْ واقعهِ ليلًا

ويعود إليها

يستهدي بمحبةِ سربِ يمامٍ

في قاعِ الأرضِ

وينفِقُ أيامًا وهو يُداري سحنتَهُ

عن أمراض الصورةْ

ذلك كان شبيهي

بعد خضوع الناي لحالتهِ الأولى

ويغادرُ جنَّتهُ المعمورةْ

ابن أبيهِ

ويعفو عن ظلٍّ الشارع

يسألُ عن ثدي المُرضعةِ الصحراويةِ

مُحتنكًا عينَ الأرضِ

ويربطُها بغيومٍ مَهجورةْ

ذلك كان شبيهي

فلماذا حين رأيتُ يدي في المرآةِ

وتنشرُ شيئًا عن حالتهِ

جُزتُ على مَهَلٍ سبعينَ ذراعًا

مِنْ رأس الحيرةْ؟

ذلك كان شبيهي

حين صعدتُ على أكتاف الرؤيا

مال كلوحٍ محفوظٍ

لا وحيَ هنا غير تراتيلِ مأجورةْ

 

 

8 -  الجدار

 

 

 

في الدروب التي لا تؤدّي

إلى نبع هذا السؤالِ عن الأرضِ

بعد اندراج الخطى في مدارج هذا الحنينِ

إلى فكرةٍ مائلةْ

سوفَ أدرُسُ بعضًا مِنَ العُشبِ

والحنطةِ السائلةْ

 

في الدروبِ إلى قاعِها

والسؤالِ عن الناسِ

والحالمينَ

سأنجبُ ظلّينِ

حتى تعاودني الذكرياتُ إلى العائلةْ

في الدروبِ إليها

إلى موطئٍ في القصيدةِ

سوفُ أدثّرُ أشياءها العارياتِ

وأكنسُ أيامَها واحدًا

واحدًا

ثُمَّ أصطادُ مِنْ قاعِها ثورةً للجياعِ

وأنشُدها أنْ تُصلّي الضحى مرَّتينِ

وتتركني مثل أيقونةٍ مائلةْ

 

مُنذ أنْ دلَّني صاحبي

في الطريقِ إليها 

تركتُ الجدارَ هنا بين ظلينِ

يصطفقانِ على خيمةٍ زائلةْ

  

إرسال تعليق

حقوق النشر © موقع أحمد الخطيب جميع الحقوق محفوظة
x