تحولات

 

قصيدة النثر  

 

  المغايرة ومتطلّباتها  ،وعدم الاكتفاء بالإشارة الدلاليّة أصبحت من منجزات قبول المفردات بالمجاورة  ، ضمن دائرة الذات وتفرّعاتها  ،وانقلابها على سيكولوجيّة المنطق .

    المفردات الراجلة عن كهوفها ومنبت قاموسها   ، أخذت بالانتشار العلوي في بناء التراكيب التي لها وشيجة الاتصال  مع كلّ ما من شأنهِ أن يفتح لها سياجاً جديداً   ، ولو كان داخلياً   ، لترتبط في المنظور الجزئي مع مسمّاها وعناصرها الجديدة   ، وانزياحها الآني عن متطلّب الكتابة   ، لهذا لم تكن الفواصل الجليديّة مانعاً لها من أن تتخذ من علامات الحياة اليومية   ، طاقةً للذهاب إلى أقصى درجات التناهي

  انفتحت الآفاق أمام قصيدة رجب   ، غير أنها لم تستأثر على مجرى الكلام   ، إذ أنها وبتعاليم جديدة   ، أخذت تمارس حقّها في الوجود   ، جنباً إلى جنب مع قصيدة النثر التي استحدثها قانون الحفر   ، فبدأت أبياتها بالتواشج العضوي   ، لتشكّل في منطلقها الجديد عالماً عامراً بالفلسفة والعلوم والهندسة   ، إيذاناً بالتكامل الحيوي لكلّ عناصرها التي تسعى إلى مواءمة مشكاة الداخل والخارج

  وبدأت المفردات تدخلُ في عباءة القصيدة  ، يحيطها التجريب  ، والمواءمة  ، وبدأ رجب في المسعى الجديد فائضاً بالظهور  ، على شاشة الصور  ، تاركاً للمفردات أن تعتمر كوفية الرمز  ،

                                             

                       مناخ القصيدة

 

   لم تكن الحارة السفليّة القريبة من تلّ البوادي قادرة على استيعاب هذا التطوّر السريع  ،ساعد في ذلك انتشار حرّاس الحارة العلويّة على الطرقات  ،وفي أنفاس المفردات التي بقيت  ،بحثاً عن صورة شعرية أو صداها  من خلال مناهج النقد   ، التي صارت تكبح كلّ علامة لنهوض جديد في الأثر الشعري

   لم تسلم اللغة القديمة من مداهمة الحرّاس   ، ولم تسلم دفاتر التلاميذ   ، فبدأت القصيدة في غياب مسمّاه أكثر جرأة على النهوض بأعباء الرياح   ، رياح كتم صوت القصيدة واقترابها من مساحة الحلم   ، وبدأت سطوة الحرّاس أكثر شدّة وطعناً لكلّ من يراوده بيتٌ واحد من أبيات القصيدة   ، ولم يسلم أبو المنقذ بسبب الحضرة التي كانت تفتح ملفّات القصيدة   ، وفوزي ابن الدايّة بسبب أصابع أمّه الرقيقة   ، ولم يسلم أبو الوداد عندما رفض تغيير اسم بقالتهِ   ، ولم يسلم سعيد العنزي خال أرجوانه بسبب مجرى دمه في عروق كرم بن سعيد بن السراج   ،ولم يسلم سلمان أبو الحكم وعبلة التي فتحت بيتها للطيور المهاجرة ليلاً باتجاه القصيدة  أو باتجاه مشكاة الداخل  ولم تسلم الحارة السفلية قاطبة من عصا سعيد الطيري المحرك الفيزيائي

_ يجب أن نحرّك الحصى في لوحة الطين

_ وعلينا أن نبقي جذوة القصيدة مشتعلة

_ وعلى درّاقة أن تغادر مع جميل الطوبرجي إلى حيث القصيدة   ، وعلى أرجوانه أن تحضر جنازة أمّها

    تعاليم القصيدة بدأت في الانتقال عبر الحارات السفليّة وبدأت مفردات جديدة تدخل في بنية التراكيب المساندة  ، وبدأت المناهج النقدية تستعد لعنصر الغموض الجديد الذي بدأ يأخذ حيّزاً كبيراً في صوت القصيدة 

 

سليم بن الكاشف 

 

     لم يكن المستوى الفني للقصيدة قادراً على حماية الرمز والصورة باعتماده على تفريغ الشحنات النابضة في المفردات   ، غير أنه في تعالقه مع اللغة  واحتشاده على باب التكثيف   ، أخذ مجرىً جديداً   ، في محاولة لامتصاص واقعة الحفر   ، وتدني مستوى الرؤية.

   سليم بن الكاشف عكاز أبيه في أهل الصفوة لم يعد ليرتّب مفردات الغموض في الحارة السفليّة   ، رغم انتظار الكاشف سبع سنوات لمواءمة الجاه والعلم في مزهرية واحدة   ، بعد أن باع مطحنته   ، واشترى سوقاً لبيع الأسمنت والحديد   ، وبدأ في معركته الجديدة مع الطين والقشّ والصفيح   ،عاد سليم بن الكاشف إلى القصيدة   ، ليكشف عن فتنة الآخرين   ، وعن قوة الجريدة التي تحتضن تعاليم النقد ألتفكيكي   ، عاد لحفر سلسلة من الأنفاق   ، تصل القصيدة عبر موجة من الإشعاع الأحمر إلى مستنبت الكسوف الشمسي.

_ هنالك حيث الجريدة لا تحمل غير النقد ألتفكيكي  علينا بمقاربة القصيدة من ميزانها المقارن   ، ولا بدّ من ممارسة الهدهد   ، وفعالية العبد الصالح

   أخذ رجب نفساً رمزيّاً   ، موشّى بتجاور المفردات  وقال للطبيب سليم الكاشف:

_ أعطيك ريش الهدهد وفعالية العبد الصالح

   واستدار قليلاً إلى الخلف   ، مدّ بإصبع القصيدة إلى دراقة وقال:

_ وأعطيك بالمقابل سماء الهدهد ويد العبد الصالح   

_ أمّا أنت أيها الواصف فأعطيك موطأ قَدَمٍ في قصيدة النثر

   وربّتَ على كتف سلوم وقال :

_ أما أنت فلي فيك نفسي وضبط القصيدة

 

 


إرسال تعليق

حقوق النشر © موقع أحمد الخطيب جميع الحقوق محفوظة
x