هندسة الضمائر

 

  1- اليوم لي

 

 

 

اليوم لي

وغدًا لِوحدي

والنهاياتُ التي نَبَتتْ على صَدري

حوارٌ غامضٌ

ومدينةٌ أُخرى لِقَهْرِ الرّيحِ والمنفى

وبيكارٌ لِهَنْدَسَةِ الضمائرِ

وهيَ تمضي في خطاي

اليوم لي

وغدًا أُعلِّلُ ما كتبتُ مِنَ البلاغةِ

والملوحةُ نِصْفُ مَوجٍ عالقٍ في الأرضِ

لا يا ريحُ لا وَتَري هُنا

ولا عَزْفي رِضاي

اليوم لي

لكنَّهُ في آخرِ الملكوتِ

نصفُ ملامحٍ لحضورِ قافيتي

وَثُلْثُ الليلِ يُخلي ما تبقّى مِنْ رئاتِ الحُلْمِ

إذ يَسْتَلُّني وجدٌ مِنَ التابوتِ

كي أحيا

وَأَفْرُكَ حالتي

بيدي التي عَلقتْ هُنا في مِصْرَ 

بعدَ تكاثرِ الأعداءِ

أو في صرَّةِ الرّيح التي أغلقتُها يومًا

لتهديني إلى المعنى يداي

اليوم لامرأةِ العَزيزِ

وقد تَهَيَّأَ كلُّ شيءٍ ما عَداي

اليومَ للرجلِ الذي وَلَدَتْهُ أُمّي

كان مثلي نائمًا في اليَمِّ

لا يبتلّ مِنْ عِرْقِ التَّسَوُّسِ

في مَجاري النّاسِ

إذ يبكي على لغةٍ

يراها في الشَّرايينِ الصغيرةِ

أو يراها في سجونِ الظَّنِّ

إنْ ولِدَتْ لهُ روحٌ

وقامَ ليشتهي روحي

ويرسلَني كأغنيةٍ على تأويلِ

ما صَنَعتْ برفقتهِ رؤاي

اليوم لي

وأنا سِواي

 

 

 

 

  2- قد أُوجع الرجل

 

 

 

قد أُوْجِعُ الرجلَ الذي أجْبَرْتُهُ

أنْ لا ينامَ قُبَيْلَ أنْ يختارَ نهرَ الضفتينْ

قد أُوْجِعُ المعنى

لأعرفَ

حاجتي

وأدورَ بين ضلالتينْ

قد أُوْجِعُ الفَتوى

وأمشي باتجاهِ النّفْسِ:

ما لكِ لا تُؤدّينَ الزكاةَ عَنِ الضَّياعِ المُرِّ

في أرجوحةِ العينينْ

قد أُوْجِعُ اللقلقْ

وأصيرُ مِزمارًا بِكَفِّ الرّيحِ

أَعْصرُ حاجةَ الأزرقْ

ومِضمارًا لرصدِ الأرضِ

تحتَ منازلِ الخيلِ الأخيرةِ

إذ يضجُّ البابُ مِنْ لغةٍ

فَيُسْكِرُها

صَداي

 

 

 

 

 3- لا ضوء في المنفى

 

 

 

لا ضوءَ في المنفى

يَمُرُّ على يدي

أو ماءَ تنشلُ غيمَها مِنْ واقعٍ يَغْرَقْ

لا شكلَ للأَخْبارِ في تأصيلِ مقهانا

ولا أَزْرَقْ

أسترجِعُ الولدَ الذي نَهَضَ المساءُ على يديهِ

محنَّطًا بجريرة المنفى

كانت عوائِلُ حَيِّنا في دارِنا

ومنازلُ المنفى تُرجِّحُ كلَّ مِزمارٍ

يَمُرُّ على الحقيقةِ

أيُّ بيتٍ طاعنٍ،

وأنا أنادي: 

يا رهانَ البيتِ لا تُثقِلْ على الزُّوّارِ 

إنْ حَضَروا

ولا تُثقِلْ على الصِّبيانِ

إذ يمضونَ في غَزْلِ الثيابِ

ولا تنادي جارَنا أيوبَ

فهوَ ينامُ قبلَ الظهرِ

قبلَ تناثُرِ المعنى على الإيقاع

هذا العزْفُ فتحٌ

والرؤى رَعويّةٌ

ويدي سُداي

 

 

 

  4- لا شيء أذكُرهُ

 

 

 

لا شيءَ أذكُرُهُ

سوى أنّي رَبَطْتُ على القلوبِ،

مدى ما أيْنَعَ الدُّرّاقُ

في صَدرِ الحكاية

حاجة الفَرْو التي دَبَّتْ على رأسي

أمامَ تكاثر الصُّورِ الغريبةِ

في صِناعةِ خوفنا

وأنا أناهضُ عُزلةً مفروضةً في الريحِ

أو بيتِ الصَّفيح

لا شيء أذكُرُهُ

سوى أنّي فقهتُ مَرارةَ الأيامِ

في جُرْفِ التَّحوُّلِ تائهًا

مُسْتَوْحِشًا

حتى إذا ما أُزلِفَ المرعى

إلى مَجرى يدي

وأظلّهُ المبنى

وخاتَلَهُ صِباي

أدْرَكْتُ أنَّ الطِّينَ آخرُ جمْلَةٍ

في رَسْمِ ذاكرةِ البلادِ

على مَداها

وهيَ تَحْرُكُ في مَداي

 

 

 

 

 5- وأعود أكتبُ بالرحيل

 

 

 

وأعودُ أكتبُ بالرحيلِ حنينَ إيقاعي

إلى أرضٍ، بلا سَببٍ 

لأدخلَ في معاني السَّيْلِ عند تَشَكُّلِ الأنواء

تلك بدايةُ الأقواسِ

هل ولدٌ خرافيٌّ يقودُ الآن ميقاتي

إلى صُحُفٍ مُبَعْثَرَةٍ

وتَشْرَقُ في أناي؟

أينَ محاكِمُ النَّحلِ التي أَفْتَتْ لأنثى الريحِ

أنْ تأتي على غُصن الحديقةِ

ثمَّ تَطْرُدُ

فحلَها

ليموتَ بعدَ خطابِ اللازَوَرْدِ؟

اليوم للألَمِ القريبِ مِنَ النساءِ

وفالق الجُمَلِ المُعتّقةِ التي تختصُّ بالكيمياء

أو فتْق الثيابِ أمامَ راعية البنفسجِ

لا إضاءةَ في المصابيحِ التي بُنيَتْ على خَطأٍ 

وَعَلَّلها أبي بِنَواقِصِ الإثباتِ

في حجَجِ الطفولةِ

وهيَ تلعَبُ باللُقى

وتقيسُ أضعفَ صُورةٍ للميجانا

للميجنا لغةٌ

ويحبكها دمي

إذ تَصْغُرُ الأشياءُ عَنْ أوصافها

وَتَخُضُّ إبريقَ السَّبيلِ  

كأنْ تُراجِعَ مُقتضى عطشي

وتحفظَ زهرة الرُّمانِ في المدنِ الغريقةِ بالبهاءِ

كأنْ تصطادَ مِنْ لغتي خِطابًا معنويًا

ثمّ تعثر بالدَّليلِ على مساحةِ أمْنِنا

للميجنا لغةٌ

ولي فوضى على سَعةِ الطريقِ

أريقُ ما أوجزتُهُ مِنْ بؤرة الأسماءِ

لا تتخيَّل اللغةُ العُراةَ على سِياق النَّصِّ

لكنَّ الطِّباقَ أتى على مِلءِ الفراغِ

وَحَنَّنَ صاحبي

ليقولَ جُمْلتَهُ الأخيرةَ

عن أُفولِ العَنكبوتِ على الطَّريقِ

كأنْ يحاولَ خَبْطَ عشواءٍ

لِتَشْبَعَ مِنْ أناي

 

 

 

 

  6- مجدولة هذي الضمائر

 

 

 

مَجْدولةٌ هذي الضمائرُ

والشِّتاءُ يُبرمِجُ المعنى على شَجَرٍ مِنَ الإيقاعِ

حتى يستوي في النَّصِّ ما أنّثْتُهُ

مِنْ نسْوةٍ في هامشِ الرؤيا

وكانت خلفَ ساريةٍ تَمُرُّ على شفاهيَ خِلسةً ريما

وتعطفُ في تَثَنّيها على زينبْ

هذي التي بُستانُها أَعْذَبْ

لَمْ أنتظرْ عُكّازَها

وقفزتُ عَنْ سُورِ الحديقةِ

كي أرى جَسدي الذي حَطَّمْنَهُ في مَلْعَبِ الدنيا

وكانت مِثْلَهُنَّ تُراوغُ السِّكينَ

كي تلعَبْ

أنا لا أريدُ لها الذُّبولَ

حُقولُها مَحْروثةٌ

وتفيضُ بعدَ غواية الأطفالِ مِنْ روح الحياةِ

هنا السَّنابلُ

والغبارُ على أصابعها

يُضارعُ ما تناسَلَ مِنْ دَمِ الطُّرقاتِ

تعطفُ في تثنّيها على زينبْ

هذي التي بستانُها أعذبْ

أنا لا أريدُ لها الذُّبولَ

ولا أريدُ تَقَوْقُعَ الأسماءِ في لغتي

ولا إغلاقَ نافذةِ التَّوجُّسِ عن شتاءِ اليومِ

أو تمريرَ أغنيةٍ على وَتَرٍ نُحاسيٍّ

ولا أنْ أرتقَ الرؤيا

تَمُرُّ على مقام العارفينَ 

ولا أريدُ لها، مساءً، أنْ تغادرَ قبلتي الأولى

على سَفحِ التلالِ

هناكَ حيثُ أَنِسْتُ بالأشجارِ

أشجاري فُرادى يسبرونَ الجُبَّ

إذ أنوي مُكوثَ الخالدينَ على الحقيقةِ

أو أعود إلى مدينتيَ التي بُنيَتْ

بِفِعْلِ الناي في المنفى

ولا أنْ أشتهي عِنَبًا

يُقطَّرُ مِنْ يدينِ ضَعيفتينِ

ولا أريدُ لها التَّسَكُّعَ في فضاء الخوفِ

يحدُثُ أنْ أُداهنَها

وأنْ أُزجي لها بحرًا خفيفًا ذاتَ ألواحٍ

وأنْ أمشي بجانبِ صمتها لأقول:    

هذا آخرُ الوَرَقِ الخُلاسيِّ

انطروني ساعةً 

لأصيرَ ممحاةً وناي

 

 

 

 

7-   من أيّ نافذة يطلّ الأرجوان

 

 

 

مِنْ أيِّ نافذةٍ يُطلُّ الأرجوانَ

على خطاي

وبأيِّ ديوانٍ سيحفظُ كلَّ ذاكرةٍ

لها ذكرى على النسيانِ

ميلادًا لتاريخِ الرجولةِ

في الأساطيرِ البعيدةِ

مَوطنًا يغفو على تيجانِ ريحْ

ولأيِّ دائرةٍ سيطرحُ جيرةَ الليمونِ للخشخاشِ

أعبثُ بالرَّصيفِ على نهايةِ

ما أنِستُ مِنَ التَّراسُلِ في الخفاءِ

كنايةً عِنْ خفّةِ الأشياءِ

وهيَ تُراقبُ المَجْرى

ولي ما يُنعشُ الأسرارَ

لو غَنمتْ غوايتَها يداي

 

وأقيلُ للشَّعراءِ عثرتَهم

فلا الإيقاعُ يَصْعَدُ نحوَ صمتِ الحائرينَ

ولا أرى بلدًا تُخَاطِرُ

إذ تكابرُ

حين تَسْلُبُها المراثي حِرْزَها الوطنيَّ

أو ينْشى على أعبائها ولدٌ خفيض الصّوتِ

أو تَتَوَسَّم الدنيا

وتأخذ غربتينِ على سِياق النَّجمِ

تَكْسرُ جُمْلةً رعويةً

بعدَ احتباسِ السَّطرِ عن عنوانهِ

وأمرُّ أرفعُها إلى رؤيا البنفسجِ

في سماي

 

هل أنتَ مثلي

تزلفُ الرؤيا لديكَ؟

إذا المقاصدُ صُوِّرتْ يومًا

تَرتَّبَ كلُّ شيءٍ

ما عدا نسيانها

لِحِيازةِ التكوينِ في المنفى

وفي ثقةٍ تمارسُ ما أرى

وأنا أرى في الأرضِ

بعدَ

غَسيلِ

أعضائي

سِواي


إرسال تعليق

حقوق النشر © موقع أحمد الخطيب جميع الحقوق محفوظة
x