نبتةٌ للخَسارة

 


يَدٌ تُرْزَقُ الآنَ بالخربشاتِ الأخيرةِ

في سَطْرِ ماءِ الوجودْ

دَمٌ ينزفُ الآنَ مِنْ ثغرةٍ في الوريدْ

أخٌ سائقٌ في براري الحياةِ

يرى كلَّ شيءٍ مُعَدًّا لموتٍ جديدْ

وجوهٌ تُضارعُ قَصْفَ المنايا

وَصَيْدٌ وفيرٌ

إذا ما انْكَفَأْتُ على صوتِ أمّي

وقد شارَكَتْها الطُّيورُ غناءَ الرِّثاءْ

قوافلُ تسعى رويدًا رويدًا

وتُنبئُ هذا المساءَ

بأنَّ الطُّيورَ رأتْ فوق رأسِ الخليقةِ

خُبزًا كثيرًا

وفي حَيِّنَا نسوةٌ جالسات على شالِ هذا البكاءْ

وفي قبضتي دالياتُ العَناءِ

وَصَبْرُ المخيمِ

أبناؤهُ مِنْ يتامى النِّساءْ

وبعضُ عكاكيزَ تَقْفِزُ عَنْ صَبْوَةِ الشَّارع المُسْتَحِمِّ

وتأتي إلى غُربتي بالنِّداءْ:

تَجَمَّلْ بِحُزْنِكَ

غامرْ بكلتا يديكَ

-على أيِّ مَبنى-سَيَصْعَدُ منها أنينٌ

وَفَقْدٌ

وَطَيْرٌ تُغادِرُ سَلَّتَها في الهَباءْ

تَجَمَّلْ بِحُزْنِكَ

عَدِّلْ بيوتَ المخيمِ بَيْتَا فَبَيْتَا

وحافظْ على نَسَقِ الأرضِ بعدَ اعتلالِ الهَواءْ

تَجَمَّلْ بِحُزْنِكَ

قَيِّدْ شُؤونَ العوالِمِ في دفترٍ صَاعِدٍ

واغْتَنِمْ بعدَ طيِّ السِّجِلِ وفُودًا

أَتَتْكَ مِنَ الأصْفياءْ

مَعي دَمعتي

وانتشارُ الأنينِ

انكسارُ المرايا التي لَمْ تعدْ صالحةْ

وقهوةُ حَرْفي على شُرْفتينِ مِنَ البارحةْ

ومَهْبطُ نحلٍ على غيرِ عادتِهِ

ظلَّ يقرأُ أَحْزانَهُ المالحةْ

 

وليس بِوِسْعِ الخلائقِ

أنْ تَصْدُرَ الآنَ عَنْ أيٍّ شيءٍ

سوى أنْ تقولَ لنا: أيُّها العابرونَ

إذا وَقَعَتْ الأرضُ والنَّائحةْ

لا تهيلوا عليهِ الترابَ

فما زالَ في عينِ هذا المخيمِ

أحلامُهُ الواضحةْ

 

مَعي صَعْقَةُ الكَهرباءِ التي

لامَسَتْ ماءَ روحي

فصارتْ تمامًا

كَعَدْوى تُصيبُ الحيارى

معي جُمْلةٌ

في الكتابِ الأخيرِ لأطفالِنا

بعد أنْ يَنْهضوا مِنْ وقارِ الصُّورْ

كان يمشي هُنا

فارِدًا كَفَّهُ لليتامى

وَيُؤْنِسُ غُربتهمْ

حين يأتي إلى بابهمْ بالمطرْ

كان يمشي إلى عالَمٍ غارقٍ بالخطرْ

وَيُنجي الذين تَشَرَّدْ في زِيِّهمْ حالُهمْ

مِنْ جُنونِ الحياةِ

وكان يرى كلَّ شيءٍ

على أرضِ هذا المخيمِ

روحًا تُطاردُهُ: أين أنتَ؟ تعالَ

فقدْ صَفَّدَ القلبَ هذا الخبرْ

 

مَعي سَلَّةُ التِّينِ

والزَّيتِ فجرًا

وأرجوحةٌ للطُّفولةِ في العيدِ

تُنْصَبُ حتى يَمُرّ عليها اليتامى

وقد أُحْضُروا بابتسامتهِ

تلك آيتُهُ حين مَدَّ يَدًا للبِناءِ

وأخرى لِيَجْسُرَ فَجْوَةَ تلك الفُروقِ

الفروقِ التي لَمْ تزلْ

مَوْئلًا

للشَّرارةْ

مَعي نَبْتَةٌ للخَسارةْ!!


إرسال تعليق

حقوق النشر © موقع أحمد الخطيب جميع الحقوق محفوظة
x