الكتابة بالزعفران

 


1- لا شيءَ في غمراتها

 

 

 

خِلْسَةً أقبضُ الأشياءَ

دون شرارةِ الإيقاعِ

خِلْسَةً أَهْوي إلى قاعِ المساءِ

أريقُ هذي الأرضَ عَنْ جَنبي

وأَسْطَعُ بالذي ما رَدَّني لِجَريرتي

وقلاعي                                  

خِلْسَةً لا أَسْتَرِدُّ شِراعي

أنا طائرُ الحدْسِ الذي عَلَّمتُهُ

وَرَكَنْتُهُ

في آخرِ المعنى

لأَشطبَ هامِشي

ومَتاعي

هيَ هكذا

صَبَّارتان على جدارٍ هالكٍ

وقصيدةٌ فَعَّ الحنينُ على يديها

واخْتَفَتْ

فَمَكَثْتُ أشرَبُها على مَهَلٍ

ولي أشياؤها والنايُ، عزفُ الناي

يَبري صُورتي ويَراعي

 

لا شيءَ يُغْضِبُني

أنا الضُّوئيُّ قلبي ما ترجّلَ عن يد المعنى

ومِزلاجي وقوعُ النَّهرِ في ليلٍ هلاميِّ

لأَرْكَبَ ما أرى مِنْ صُورةِ اليَنبوعِ

وهي تَحُطُّ في قيعانها

وَتَصُدُّ عَنْ بابي قِناعي

لا شيءَ في غمراتِها

غيرُ الأفاعي!!

 

 

 

2- أنْدَسُّ بطيئًا

 

 

 

في الجَفْنِ النَّاعِسِ

ثَمَّةَ ما يقتلُ صَمتي

ويُداري ريحَ الفِتْنَةِ

حين تنامُ على وَرَقٍ مصقولْ

ثَمَّةَ أقلامٌ مِنْ حِبْرٍ ورصاصْ

ونياشينُ تُزَلْزِلُ حَوْضَ الشَّرقِ بنارِ الغُربةِ

والنَّاسُ ينامونَ فُرادى في البَرِيَّةِ

وحْدي مَنْ يحملُ ذاكرةً للريحِ

ويركضُ في الزَّمَنِ اللامعقولْ

في الجَفْنِ المُسْبَلِ

فوق خِداعِ قصيدتِهِ

ثَمَّةَ شَوْقٌ  

وأنا بينَ خِداعِ المنفى

ونياشينِ الحِبْرِ

أُعَلِّلُ صَمتي

وأغيبُ طويلًا

وأعودُ لأنهضَ مِنْ غَفوةِ صَبَّارِ الحارةِ

ثمَّ أعودُ رمادًا

ينتشرُ على بابِ حديقتِهِ

وأعودُ، وأسْعفُ ظلي

وأعودُ

وأركضُ وحْدي في هذا البحرِ الْمَعْسُولْ

لأرى ما ليس يُرى

مِنْ صَبَّارِ الجَفْنِ النَّاعسِ

أوْ أنأى مثلَ شُقوقِ الكَفِّ

على ما فيها مِنْ وَجَعٍ، وأقولُ لها:

كان يرتِّبُ موتي وَلَدٌ

مِنْ غامضِ مَلَكُوتِ المعنى

وأنا مِنْ غيرِ براءةِ أشعاري

أندسُّ بطيئًا في الزَّمنِ المَعْقُولْ!

 

 

 

 

3- ذات صراعٍ يجتمعان

 

 

 

شَمْعتانِ

على الظِّلِّ تَنْكَفِئانِ

ولا تَنْحَسِرانْ

وبلا أيِّ قِتالٍ تَقْتَتِلانْ

 

الهامشُ نَصٌّ بينَ القَوْسَينِ

وحيدًا يَنْقصُهُ الميزانْ

فبأيِّ مَعاني الأرضِ يقومُ المبنى

وبأيِّ جبالٍ ينْطَفِئانْ

قمرٌ لحنين اللؤلؤِ والمرجانْ

وَوجوهٌ للنصِّ

ومِرآةٌ للقَصِّ

ولا تمتزجُ اللغتانْ

هلْ هبَّتْ ريحُ البحرِ الأبيضِ

أمْ قَرَصَ الزّهرَ على الجبلِ الأسودِ

نحلُ النِّسْيانْ؟

 

ذاكرةٌ مَلأَ الموجُ صَداها

وصَداها مَلأَ الوِدْيانْ

هَجَمَ الطَّاغوتُ

وَخَلَّفَ فيما يبدو مِنْ قَتلى

صُوفيًّا كانَ يهدهدُ طفلًا حَيرانْ

ورياضيًا كان يجالسُ

زوجتَهُ في البَرِّ

ويتلو نصَّ الإيمانْ

 

النَّصُّ تمادى في تنويرِ الإيقاعِ

على ضوءِ دمي

فَرَكَضْتُ

رَكَضْتُ إلى أبعدِ إيقاعٍ في الأوزانْ

قلتُ: لَعَلَّ الرّيح

إذا انطفأَ الليلُ مِنَ الليلِ

تقودُ الدَّهشةَ في اللمعانْ

ولعلَّ المتوسطَ

والأحمرَ

" ذاتَ

صراعٍ "

يَجْتَمِعانْ

 

 

4-  أبكاني الرمز أخيرًا

 

 

 

أبكاني الرَّمزُ أخيرًا

حينَ دَلَفْتُ إلى الخَبَّازْ

لَمْ تَغْبِطْني حَبَّةُ قمحٍ حينَ دَلَفْتُ

ولكنْ عَزَّ عليها

أنْ أَسْكُنَ في الجَمْرِ، وَأَنْسى

 

هل عَلَّمَني النَّومُ أخيرًا

أنْ أَتَلَمَّسَ سِيرةَ نَفْسي

تحتَ بُكاءِ السَّيْلِ

وَأَنْسى أَنَّ وجودًا يَفْقَأُ عينَ الغُرفةِ

إذْ يَنْدَسُّ وحيدًا في حَبَّةِ قمحِ

وينامُ طويلًا

وأراهُ كَمِثْلِ خَميرَتِهِ الأولى

يعبرُ فُرْنَ الشَّمسِ

ولا يحفظُ دَرْسَا

 

الحِكْمَةُ مُسْتَنَدي

في تأجيلِ النّارِ العَطْشى

وحضوري في هذا الإيقاعِ

وقدْ زَوَّجْتُ سُدايَ إلى لُحْمتِهِ

وَشَرِبْتُ لَهيبَ الواقعِ

في الْمُتَخَيَّلِ كأْسَا

 

المفردةُ الْحَيرى                     

في تكوينِ النَّصِّ

أَجازَتْ نِصْفَ حكايتها

لكنْ لم تعرفْ أني شَكَّلْتُ لذاتيَ

مِنْ حَبَّةِ قمحٍ شَمْسَا  

 

 

 

5- شيءٌ مِنَ الذكرى

 

 

 

شيءٌ مِنَ الذِّكرى

يُذكِّرني بماءِ قصيدةٍ

علّقتُها بالرِّيحِ

فاهْتَزَّ المُذَكَّرُ والمُؤنَّثُ

طارَ وجهُ الشمسِ بالإيقاعِ

وانتصرَ الحديثُ

فقلتُ للنِّسيانِ:

لا تَذْكُرْ غَرائِبنا

فقدْ آوى الصَّديقُ إلى التَّذَكُّرِ

صَرَّ هذا الأرجوانُ أنوثةَ المعنى

وَرَقَّ لحاجَتي

ليلا

شيءٌ مِنَ الذِّكرى

لَعَلَّ فقاعةَ الصَّابونِ تَذْكُرُ

كلَّ خَيطٍ صارَ في كَفِّ المدى خَيلا

وَلَعَلَّني سَأُمَرِّرُ الغَيْمَ الطَّريدَ مِنَ الكتابةِ

يستوي مَعْ غَفلتي

وأَجُرُّ في أُفُقِ النَّدى سَهلا

وَلَعَلَّهُ يمضي إلى الماضي

وينسخُ للحكايةِ حاضِرًا لَزِجًا

يَقُدُّ مِنَ الكتابةِ سَفحَ هذا الأرجوانِ

ويَفْتُقُ الماضي

إذا دَخَلَ الصَّديقُ

إلى التَّذَكُّرِ وَحْدَهُ 

مِنْ غَفلةٍ طِفلا

شيءٌ مِنَ الذِّكرى

وأَذْكُرُ أنَّ للإنسانِ شيءٌ

في الذُّكورةِ والأنوثةِ

يَمّحي

جَهْلا

 

 

 

 

6- بضعُ ليل

 

 

 

أَقَلَّ انتباهًا

وأكثرَ رُؤيا

وما زالَ في الطّينِ شِقٌّ

أحاولُ أنْ أَدْخُلَهْ

 

أَقَلَّ نُفورًا مِنَ الشَّوكِ

أكثرَ حَدْبًا على ريحِ هذي السُّهولِ

وما ظلَّ دربٌ لكي أَسْألَهْ:

هل الغيمُ يجري

إلى ضفتينِ

أمِ الماءُ خانَ على كلِّ حالٍ

هُنا أوَّلَهْ؟!

أَقَلَّ غُلُوًّا أمامَ الجيوشِ
وأكثرَ طحنًا لهذي الثيابِ
وما فَرَّ قلبي
ولنْ أَهْمِلَهْ!

 

حَرصتُ على سنديانِ الطَّريقِ
الطَّريقِ التي خانَها اللصُّ يومًا
وجاء إلى بُرْجِ داري
حَرِصْتُ لأكْشِفَ عَنْ ثوبِ هذا الغُرابِ
إذا انْدَسَّ في بضعِ ليلٍ
أقامَ المهالكَ
واختارَ طفلَ الحياةِ

لكي يَقْتُلَهْ

 

 

 

7- عنفوان

 

 

 

في الشِّتاءِ الذي كنتُ فيهِ

أُمارسُ صَمتي

تركتُ سَريرةَ نفْسي

تمارسُ أشواقَها باتجاهي

وكنتُ أمارسُ حَظّي

وأرسمُ غَيمًا طريدًا

ليخطفَ صَقْرَ انتباهي

 

بعدَ ليلٍ طويلٍ

وشَمسٍ قليلةْ

كتبتُ كلامًا

على غيرِ ما تشتهي الكائناتُ

أنا الآنَ اسمٌ مُسَمّى

ونِصْفي تأخّرَ عَن نِصْفهِ يا إلهي

ولا أذْكُرُ الآنَ شيئًا عَنِ الجِسْرِ

كان أبي قدْ بَناهُ لنا

ونحنُ صِغارًا

ولكننا قدْ كَبرنا

أَضَعْنا مَراياهُ

عُدْنا إلى الصَّمتِ بعدَ المزادِ الأخيرِ

وعُدْنا إلى جارحاتِ الملاهي

 

ولا أذْكُرُ الآنَ كيفَ اسْتَطعتُ

أنا الصَّامتُ الكَهْلُ

أبني لنفْسي حياةً مِنَ العنفوانِ

وأنقُشُ دربي

وأُعلي جباهي

 

 

 

8- وطنٌ مخطوف

 

 

 

في الشّارعِ

أطفالٌ يلتَحِفونَ العَبَثَ اليوميَّ 
وَيَنْتَصِرونَ على لغةِ الشّارعِ 
والشّارعُ طِينيُّ الهَيْئَةِ 
مَرْسُومٌ تحت تَشَقُّقهِ صُوَرٌ لمرايا 
تعكسُ ألعابَ التَّصْريفْ

- وَلَدٌ ذو أَرْبَعَةٍ يَنْشُدُ طفلتَهُ اللعبةْ

- وَلَدٌ مُتَّصِلٌ بالرَّهْبَةْ
- وَلَدٌ، وَيَسنُّ حَديدَ أصابعِهِ 
وينامُ على العَتَبةْ
- وَلَدٌ يَفْزَعُ مِنْ جِنِّيِّ الحارةِ
يكتبُ فوق صَفيحِ الحارةِ: أينَ أبي؟ 
- وَلَدٌ لَمْ يُوْلَدْ بعدُ 
أثارَ الرّيحَ على عَتباتِ المعنى 
ثُمَّ أصاخَ السّمعَ
وَحَوْقَلَ بالشِّعْرِ
ونامَ لِيُبْطِئَ طلقتَهُ الأولى

في الشِّارعِ

بعدَ ذهابِ الأطفالِ الرُّضَعِ

ينتظرُ المجنونُ صُراخَ قصيدتهِ
وعواءَ السِّرِّ على رَجُلٍ يتشظّى!!
وأنا بينهما

لي أسبابُ الرُّكْبَةِ

والرّكضِ إلى وَطَنٍ مَخْطُوفْ!!

 

 

 

9- وأطفالُنا مُتعبون

 

 

 

وأطفالُنا مُتعبونْ

وقيثارةُ الأرضِ تَمْرُقُ مثلَ الحِصانِ

على ريحِ قلبي

ولكنَّ أطفالَنا نائمونَ

ولا يَعْبُرونَ

فَمَنْ أيقظَ النَّارَ

مَنْ أطفأَ النُّورَ

مَنْ غابَ مثلي طويلًا

لكي يَسْتزيدوا نهارًا جديدًا

وفي وَضَحِ النُّورِ هُمْ يَحْلُمونْ؟!

وأطفالُنا سارِحُونْ

كان شيئًا جميلًا أنادي على ظِلِّهمْ

ثُمَّ أَرْفَعُ قُبَّعَةَ الريحِ

حتى يُدَنْدِنَ أكبرُهمْ

لحنَ ما يشتهونْ

رأيتُ هُنا داخلَ اللَّعبِ قيثارةً خاطِفةْ

فقلتُ: هُمُ الآنَ أكبرُ مِمَّا تظُنُّ الرياحُ

وأكبرُ مِنْ عَصْفِ أقرانِهمْ

عندما يَسْألونَ

عَنِ

العاصِفةْ!!!

 

 


إرسال تعليق

حقوق النشر © موقع أحمد الخطيب جميع الحقوق محفوظة
x