سلوك البارحة

 


وعلوتُ متّجهًا إليكَ

كأنني إذ أنظرُ الأعلى

أرى غيري، ويفقأُ لي عيونًا مالحةْ

وعلوتُ

لا أرض الخيامِ نصبتُ تحتَ يدي

ولا برج الحمائمِ إذ تصرُّ على الهديلِ

وكنتُ لا أعيا

فأعياني سلوكُ البارحةْ

 

لعُلوِّكَ العالي على عرشي

طرائقُ من صدى عينين

تفترقان عند تحدُّبِ الأقواسِ

في باب الشتاءِ

ولا شتاءَ

إذنْ سأنخرُ جوْفَ مائدتي

لأشعلَ ملعبَ الأشياءِ

أو أقضي على كبشينِ، مسلوبًا من الإعياءِ

متّحِدًا مَعَ المعنى الذي فرَكَتْهُ أشرعةُ

البحار المالحةْ!

 

هوَ آخرُ الظلِّ

انتظارُ النّارِ في جوف القصيدةِ

إذ يخلُّ رمادُها بشروطها

وهيَ انكسارُ الرّمشِ بعد تنازل الشمسِ القريبةِ

من يديهِ عن الشروطِ الماحلاتِ

القاحلاتِ

هدوءُ أرصفةٍ على الماشي

تخاتلُ صفرةَ الأشجارِ

تنهرها عن الإنصاتِ للريحِ الغريبةِ

أو تهادن بعضَ ما يعلو مِنَ الأسرارِ

كُنْ جسدًا عييًا

لا يفارقُ نطفة الإيقاعِ

واتْبعْني لأقرأَ في الجنازةِ

ما أريدُ من التذكُّرِ!

 

قال لي، ومضى إلى خطّ الحياةِ

كأنَّ غزلانًا تَبِعْنَ جنازتي وَمَرَرْنَ بالنّصِّ الأخيرِ

وقلنَ لي: هذا حصادُ الكائناتِ 

فكنْ شفيقًا بالترابِ

 

قالت تجادلُ أُختها:

ويحَ انحسارِ الأرضِ عن لحم السرابِ

قالت لها -ونأيتُ وحدي فوق أضلاع الرياح-

هوَ التموضعُ

لا مواضعَ للرجوعِ إلى المنازلِ

لا مواضعَ للخروج إلى الميادينِ الفسيحةِ

لا نوازلَ بعد هذا الصَّدْعِ

لا قطٌ ينوء بلحمٍ كنتُ أُنجِزُهُ

على العتباتِ يوميًا

ولا ولدٌ يعي قَدَرَ الغيومِ

إذا تأخّرَ عن صنوفِ غنائهِ

في السانحةْ

فاقرأ عليَّ الفاتحة!

 

بكَّرتُ حين فتحتُ كرّاس الصداقةِ

أوّل الأشياء أنْ أمشي إلى كهفي

لأقرأ آيةَ الشعر الأخيرةَ

أنْ أهاجرَ بين مملكتين

من نحلٍ يجودُ على الجبالِ

بزهرةٍ منسيّةٍ في عالم التكوينِ

أنْ أنحازَ للصفصافِ

حين تهبُّ ذاكرةٌ من العشّاقِ

منفيينَ لا أكثرْ

أتوسّدُ الأخضرْ

وأعود أنبشُ ما تركتُ لعابرٍ مثلي

على يقطينِ منزلنا

مرايا للقصيدةِ إذ تماري فضةَ الأسماءِ

فاءُ فتوحنا عند التحققِ من يديها

إذ أرى قصرًا قريبًا من يدي

لامٌ اللطائفِ

إذ أنا أمشي إلى أشجار وادينا

تنبّه صاحبي لغصونها

وأدار لعبته قريبًا من يدي

سينٌ السّلام،

السيفُ للمعنى

على إيقاعِ رايتنا التي علّقتُها أعلى من الأسوارِ،

طينُ طوائفٍ للماءِ بعد حريقِ مدرسةٍ

تأهّل صاحبي لفصولها

ياءُ اليمامةِ، تحضرُ الأجفانُ أعراسَ القبيلةِ

خلف نونِ نسائنا في الحربِ

إذ يُنجزْنَ أوقاتَ المساءِ

لغزْل ريحٍ واضحةْ

 

سردي بسيطٌ لا يُحاذرُ ضفتينِ

وماءُ قريتنا ترجّلَ عن شرودِ الناسِ

أبطأَ من سيولتهِ

وغادر نبْعهُ تِبْعًا لقلبي باتجاهِ اللاجِئَيْنِ

أبي

وأمي

إذ رأى أثرًا على حجرٍ

وعينًا للقصيدةِ صالحةْ

 

الوقت للأخضرْ

وسارا نحو حصّتنا من الموتى

إلى أرضٍ على الفسطاطِ نائمةٍ

وفيها بعضُ أغلالٍ تعوّدنا قوافيها

كأنّا في نواديها

على مَهَلٍ نغازلُ درْعنا العربيَّ

يا أوراقَ صحوتنا

إذا ما أَسدلَ الزيتونُ صفرتَهُ

على ضلعٍ وحيدٍ ناشفٍ أصفرْ

تعالي كي نرى أرضًا مُباركةً

نهدهدُ طينَ غربتها

ونمتحُ من مراياها

زوابعَ سيرةٍ في الجارحةْ!

 

وعلوتُ متَّجهًا

إذا ما أُهْبِطَ النارنجُ فوق ترابنا

نحو اقتصادِ الذكرياتِ

لأنبني جُرْمَا تفتّقَ عن سؤالِ شعاعهِ

أينَ النواقيسُ التي أشعلتُها في الليلِ

إذ أرخى أعنّتَهُ على وحيٍ يجاري نفخةَ الأذكارِ

بعد مداركِ الأسرارِ؟!

يعرفُ أنني، لا الغصنُ يُغريني

ولا أيقونةُ الأشجارِ، لا جُرْمٌ

ولا ألمٌ يقلقلُ في البطونِ الكابحةْ

 

ونهرتُ بعد تسلسلِ الأنهارِ في المجرى

طرائقَ للعبورِ إلى الحقيقةِ

كان مقهانا قريبًا من غوايتهِ

إلى روحينِ بين الضفّتينِ

ودهشتي رُسُلٌ إلى ميقاتِ أغنية الحدائقِ

ساعتانِ وغفلةٌ

وهزائمٌ تترى

وخيطُ من دخانِ الموج

في لغة البحار المالحةْ!


إرسال تعليق

حقوق النشر © موقع أحمد الخطيب جميع الحقوق محفوظة
x