شعرية الحنين في ديوان - على وتر الأشواق

 


د. حسين خريس

ديوان " على وتر الأشواق" :



الحنين يعتبر من مؤثرات الشعرية الملتحمة بالذات ، وهو على سعة اتصاله بالآخر ، لا ينفذ إليه إلا إذا كانا متحدين في كيان واحد، رغم أنه جوهر الحسّ ، ومنتجه الرئيس .

    كما يلفت النظر لشعرية الحنين مدى تعلقها واتصالها بالنفس ، وما ينتج عنها من خيالات غير مستقرة ، فهي وإن بدت تسير عكس ما تقدّمه الذاكرة من مدلولات لغوية ، إلا أنها لا تبرح المعجم الخاص بلغة الحنين ، لقدرته على رسم الصورة في بعدها اللغوي ذي الإيقاع المنضبط .

    وكثيراً ما تنتمي شعرية الحنين إلى مقام الزهد ، لكونه مقاماً يترك كلّ شيء ، ويتعلق بذات الآخر .

    وأحسب أنني وجدتُ في ديوان " على وتر الأشواق " للشاعر حسين خريس ، ما أستطيع من خلاله ترتيب أبجديات الحنين ، وشعريته.

   إن اضطراب الجزئية المتصلة بالذاكرة ، عندما يساورها الحنين، هو المنحى المختلف الذي تحسّ به الذات ، وهي تقع تحت تأثير الانفصال بين الجسم الطيني والأثيري ، وربما أستطيع أن أضيف إلى أبجديات الحنين ، أبجدية لها صلة بالقراءة النفسية للواقع ، وهي أبجدية الحلم .

" طراوة الصوت التي

أوقفت الدماء في الشريان حتى لا يمرّ

تأخذني إليك محمولا على سفينة من الزهر

تحطني على ضفاف الشمس

أو سيف القمر

في ساعة من عمرنا الزاهي الأغر

فتشرئبّ للقمر

لعله يعطى المطر

لعله يُعطى الثمر "

   لا شكّ بأن أبجدية الحلم تسوق الذات إلى جمر الحنين ، الحنين إلى أن ينظر الآخر في شاشته الداخلية ، ليرى تلك المسحة التي يقودها النصّ ،مسحة الفقد وما يفعله بالذات من انهيارات مادية ومعنوية ،عبر إسناد المعنى لحركة التكرار في نهاية المقطع الشعري ، كما لو أنه يستعطف السياق ، ليحقق الائتلاف ، ويعالج الاختلاف .

" يا حبيبي إن تعد كنتَ سلامي وأماني

فأغني ويغني لك قلبي بالأماني

فإذا نحن نداء رددته مهجتان

وإذا الفرحة في العينين لحن وأغاني "

  واضح أن سياق الحنين يسترعي انتباه الآخر ، لينفذ معه إلى دائرة الائتلاف ، وهذا ما من شأنه أن يعزز وفرة في الخطاب المباشر الذي تقوم عليه شعرية الحنين ، فالخطاب كينونة في هذا المنحى قائمة على الوضوح ، لأنها تحمل في أنموذجها النفسي ، ما يمكن له أن يزلزل الآخر ، بالنقر على وتر القلب ، مجرى الحنين.

" كلام المحبين دوماً كثير

                 لديهم يصير الذي لا يصيرُ

وأكثر أوجاعهم أنهم

                   قلوب رقاقٌ ودمع غزيرُ

فسبحان من خصّهم بالحنان

                   كأن القلوب لديهم حريرُ "

  ومن متعلقات الحنين أنه قادر على خرق دائرة الاختلاف  للوصول إلى مرآة تمكنه من رؤية الذات ، وهي تتقلب على جمر الفراق ، متخذة من الشكوى منزلة وسطى بين الذات والآخر ، لتحقيق هدف التواصل ، رغم وحدة الذات .

" قلبي إليك تلهّفُ وتطلّع

                وأنا الغريب فأيّ شيء أصنعُ

إلا تباريحاً تقضّ هواجسي

                وتروعني كيداً وما هو أروعُ

يا شاغلي في وحدتي يا مؤنسي

               في غربتي أشكو ولا من يسمعُ

إلاك من خلل الخيال ومن رؤى

                   رسمٍ أطالعه فيزهو المطلعُ "

   ومما تشهده شعرية الحنين ، أو تفرضه على مجريات مستوى الفعل القرائي للنصّ ، طاقة انفعالية تبدو في مطلع الأمر ، حالة عتاب ، إلا أنها على المستوى النفسي تشكل طاقة تأملية .

" يا من إليه عتابي بات مختصراً

                    بالرمز من غير تعبير وتبيان

أنفدت بالشكو قاموسي ومعجمتي

                     فصرتُ خلواً بلا لفظ وإمعان

بلابل القلب تاهت عن حدائقها

               ظمأى تلوب بلا ريّ وغدران "

  إلى أن تصل هذه الطاقة التأملية، إلى تفكيك الطاقة الانفعالية،ونسخها عبر نصية المتخيّل الذي تريده الذات حارساً لها.

" هذا أنا ومداد الدمع يكتب لي

                     قصائد الشوق في طيات أجفاني

فإن نظرتُ تبدّتْ دون باصرتي

                     شتّى التصاوير من شتّى وألوانِ "


إرسال تعليق

حقوق النشر © موقع أحمد الخطيب جميع الحقوق محفوظة
x