شؤون خاصة

 


1- سراب الفكرة

 

 

 

صُورٌ في بيتِ الأَحفادِ تُعَلَّقُ

قيثارٌ في الرُّكْنِ الممسوحِ مِنَ البيتِ

يُغازِلُ أشْرِعتي

أشياءٌ كان يراها

بِمَقاسِاتِ الفَرْحةِ جدّي

اللعبةُ وَقْفٌ للطِّفلِ الغارقِ

في نَوْباتِ الضَّحِكِ الهِسْتيريْ

لا يَجْرُؤُ مَنْ يَتَخَطّاهُ بيومينِ

على أنْ يخطفَ لعبتَهُ

فالجدُّ الحازمُ والصَّارمُ

يَمْتحُ مِنْ ذاكرةِ الوطن المغلوبِ

على أَمْرِهْ!!

الكَنائِنُ  

يَخْضَعْنَ لِتَمْرينِ الإذعانِ

يَجِئْنَ فُرادى مِنْ عَسَلِ النَّومِ

فتُرْفَعُ عُكازٌ

لِيَطيرَ نُعاسُ القُمصانِ

الكَنائِنُ الفهياناتُ وراءَ الطَّبخِ

وخلفَ أنينِ الأطفالِ

يُدَبِّرْنَ الأمْرَ

فَيَمْرَضْنَ مَعًا

فَيُقَهْقِهُ

يمسكُ أُذُنَ الزَّوْجِ الأكبرِ: خُذْ

هذا المنديلُ تَوَسَّخْ!!

 

الأولادُ على مَهَلٍ يَنْزَلِقونَ

على دَرَجِ البيتِ

إلى خارجِ قنطرةِ العالَمِ

يَنْسَحِبونَ تِباعًا

فَيُتَمْتِمُ: لَمْ يبقَ مَعي وَرَقٌ للهيشي!!

حَنْجَرَةُ المنزل تَضْيَقُّ

تَضِيقُ، فيسعُلُ

تخرجُ مِنْ أُطُرِ الجلطةِ زوجتُهُ

وتَجيءُ بماءِ الزعترْ

ينظرُ في الخدِّ الأيمنِ

كم يؤلمُهُ هذا الخَطُّ الأزْرَقْ

كان فَتِيًّا حين تَعَلَّقَ ذات فضاءٍ

برجولتهِ النَّكِرةْ

وأقامَ الدُّنيا

وابتاعَ مِنَ الفَهْياناتِ وراءَ الطبخِ

سَرابَ الفِكْرَةْ!!

 

 

 

 

2- سماءٌ أخرى

 

 

 

كلّ مساءٍ أرقبُ طائرةً مِنْ وَرَقٍ

يُطْلِقُها طفلي

فأطيرُ

أطيرُ

وأَسْبقُ ظلّي

 

يفلتُ خَيطُ القِنَّبِ

مِنْ كَفِّ الأطفالِ

ويفلتُ خَيطُ حريرِ المرآةِ مِنَ الغَيْمِ

وأخسرُ نِصْفي

فأطيرُ

أطيرُ

أطيرُ

ومِنْ شرفاتٍ بَعْثَرَها الصَّمتُ

أرى وَجَعًا يسبحُ في ملكوتِ القَصْفِ

ويُسْقِطُ كُلّي

كلّ مساءٍ أَتَزَوَّجُ مِنْ امرأةٍ واحدةٍ

لا تَعْقِدُ حبلي

فأطيرُ

وأهوي

وأطيرُ

وأهوي

وتطيرُ معي

مِنْ أجلِ سَماءٍ أخرى

أوْ مِنْ أجلي

 

 

 

3- يطولُ الشَّرح

 

 

 

ثُلْثُ الدّيوانِ

بقايا مِنْ إغماضِ السَّحرةْ

والأصبعُ تَكْويهِ الحِيلَةُ

يكتبُ فوق الجدرانِ هُنا بيتُ الثَّمَرَةْ

يَشْهدُ هذا عُصفورٌ

ويُعَشِّشُ في أعلى الشَّجرةْ!

يَنْظُرُ مِنْ قَوسِ الشَّمسِ إلينا

نحنُ نراهُ

ونعقدُ قَوْسًا للرّبحِ، يرانا

العُصفورُ يرانا

ويرانا

هل نحنُ الأصحابُ البَرَرَةْ؟!!

ويطولُ الشَّرحُ

أراقبُ إحْساسَ الشَّارعِ

أوْ أنظر أمِّي وهيَ تطوفُ على الجاراتْ

تَحْمِلُ في اليمنى صُرّةَ ليمونٍ

وإذا ما التمَّ الجَمْعُ

تراها تجلِسُ في البيتِ

وتَطوي عَمَلَ الأمسِ

فيحتكِمُ الأطفال إلى جَسَدٍ ملغومْ

ثُلثُ الدّيوان الباقي في السَّندِ

وفي المَتْنِ يطولُ الشَّرحُ

أصحو

وأعيدُ طفولةَ حارتِنا

" حَدَرة

شَبَرة

سَبْع نجومْ "!!!

 

 

 

 

4- تعويذة

 

 

 

في الزُّرْقَةِ شيءٌ ما

أَذْكُرُهُ

أَذْكُرُ شيئًا آخرَ عَلَّقَهُ الوالدُ فوق الصَّدرِ

وقال: بُنيَّ إذا شَغَلَتْكَ الرّيحُ 

فلا تبكِ

لكنْ مِنْ وحشَةِ نفْسي

أرْخَيْتُ عيوني، وبَكَيْتْ

أَذْكُرُهُ...

أمّي أيضًا قالتْ لي:

لا تخرجْ مِنْ صَحْنِ البيتْ

بينهما جَلَسَ الطِّفْلُ

وشيءٌ أزرقُ تحت قميصِ المعنى

أَذْكُرُهُ

في كأسي ذات ضُحى

وقرأتُ عليهِ المفردةَ الأولى

قلتُ لشيءٍ أزرقَ

في العُنْقِ

ويُمحى

مَنْ وَضَعَ التَّعويذةَ في كأس الزَّيتْ؟!

 

 

 

5- شهيدٌ آخر

 

 

 

رَنَّ الهاتِفُ في الليلِ ثلاثًا

فانتبهَ البيتُ

قالتْ أمّي: هذا أخوكَ

فقلتُ: أخي لا يقرصُ خَدَّ الهاتفِ

في الليلِ

فقالتْ: هذا أبوكَ

فقلتُ: أبي يحملُ مِفتاحَ الشَّارعِ

قالتْ: هذا ابنُكَ

قلتُ: لديَّ ثلاثةُ أبناءٍ

قالتْ: هذا الخوفُ إذنْ

ويمازحُهُ في الليلِ الموتُ

رَنَّ الهاتِفُ في العَصْرِ ثلاثًا

فانتبهتْ أمّي

فَبَكَيْتُ على جَمْرِ تَحَسُّرِها

وَنَزَلْتُ إلى الظِّلِّ قَتيلًا

وَعَرَفْتُ بأنّي كنتُ أنا

لكنْ خبّأني الموتُ

في المغربِ صَمَتَ الهاتِفُ

فاعْتَمَرَتْ أمّي صُورتيَ الأولى

وَبَكَتْ

وَبَكى في الظِّلِّ أخي

وأبي كَوَّمَ أبنائي في ظِلِّ عَباءتهِ

وَبَكى، فاشْتَعَلَ البيتُ

بعدَ ثلاثةِ أيامٍ

أَبْصَرْتُ شَهيدًا آخرَ في صَحْنِ البيتِ

فقالَ الموتُ: هُوَ الوقتُ

 

 

 

6- خفّة الراجفِ

 

 

 

خلفَ هذا الجدارِ الذي في الحديقةِ
ظلَّ الحديثُ وَقورًا
وظلَّتْ تمدُّ يديها إلى غُصْنِهِ الراجفِ


كأنَّ خيامَ الخطى

 أَوْقَفَتْها قليلًا
قليلًا

لتنظرَ إيقاعَها في بياتِ القصيدةِ
أيُّ الجهاتِ ستربحُ

لو خَلَّفَتْها الرِّياحُ 
وأيُّ المرايا إذا ما تعلَّلَ إيقاعُها

بالنَّدى الخائفِ

خلفَ هذا الجدارِ الذي

في المرايا
أقامتْ لهُ أَذْرُعًا
ثُمَّ صاحتْ بكلِّ الطُّيور:

 أنا رَجْفَةُ الرّاجفِ
فقالَ: اعْذريني إذا ما بصُرتُ بِفَخِّ الحياةِ
وأُزلِفَ صمتي إلى صمتِكِ النازفِ
فكلُّ خفايا دمي
ذات عَصْفٍ تَحِنُّ

إلى

غيمِكِ

العاصفِ

 

 

 

7- ليس توصيفًا

 

 

 

النِّسْوةُ اللائي ذَهَبْنَ إلى دَمي

أَحْضَرْنَ لي جَسدًا مِنَ الكبريتْ

لا ليسَ تَوْصِيفًا

ولكنْ صِبْغة المعنى

على هَدْمِ البيوتْ

ليسَ تَوْصِيفًا

ولكنْ صِبغة الريح التي مَرَّتْ

على مائي

لِتُرْبِكَ سيرةَ الطَّاغوتْ

ليسَ تَوْصِيفًا

ولكنْ حاجة الأسماءِ للمعنى

وإيقاعي رُؤىً تَسْتَصْلِحُ الياقوتْ!!

 

 

 

8- شجرٌ طافحٌ بالحنين

 

 

 

وَقَفْنا

وَكُنَّا قَريبَيْنِ جِدًا مِنَ الماءِ

لكنَّنا ما شَرِبْنا

لأَنَّا فَقَدْنا سِوانا

وَقَفْنا على حَجَرٍ لَمْ يَنَمْ

منذُ أنْ كان ريشُ السَّماءِ غُيومًا لأسرارِنا

وافْتَقَدْنا على شَجَرٍ طافحٍ بالحنينِ هوانا

وَقَفْنا

وكان الزّحامُ يَضُجُّ بأحفادِنا

غيرَ أَنَّا بَقِيْنا وحيدينِ

لا حارسٌ

أو مرايا تَرانا

إذنْ افْتَحي النَّافذةْ

وانْظُري للسَّماءِ البعيدةِ

هل تَنْجلي عَنْ خُطانا؟!

وافْتَحي الذاكرةْ

وادْخُلي في رياحي

وقولي كأَنَّا فَقَدْنا سِوانا

وَطُفْنا مَعًا حولَ منزلِ أحلامِنا

غيرَ أَنَّا فَقَدْنا تمامًا رُؤانا

إذنْ أغْلقي النَّافذةْ

وانْظُري للسَّريرِ الذي مارسَ الحُبَّ

في غُربةٍ مَعْ هَوانا

وقولي لإيقاعِ صوتِكِ

ما عادَ فينا دَمٌ ناطِقٌ

أو جبالٌ تُكَوِّرُها في المساءِ يدانا

لأَنَّا فَقَدْنا السَّبيلَ إلى الموتِ

هذا الذي كان يمشي رويدًا رويدًا

وليسَ لَهُ غير تعويذةٍ

في دِمانا

 

 

 

 

    9- حُمّى اللوحة

 

 

 

أَسْلَمَني وَجَعِي للرُّقيةِ بينَ يَدَيْها

أَسْلَمَني لِحَرارةِ مَلْمَسِ أصبعِها

وهيَ تَحُكُّ سَريرةَ قلبي

وتمارسُ فِعْلًا رعويّا

أَسْلَمَني لِشِباكٍ حَمْراءَ

وَوَسْوَسَ لي فوقَ حَصاةِ النَّهْرِ

وَأَسْلَمَني للنَّهْرِ رَضِيَّا

 

قَرَأَتْ مِنْ دفترِها ما يَجْعَلُني وَلَدًا بَرِيَّا

ما يَجْعَلُني أتمدَّدُ تحتَ هَديل الكلماتِ

وما يَجْعَلُني في العِشْقِ صَبِيَّا

وَحَزِنْتُ عليها

حينَ رأيتُ الغامِضَ في المرآةِ

ضَراعةَ وَجْهٍ سَاقَتْهُ إلى اللونِ يدايْ

وَحَزِنْتُ عليها

حينَ تَناسَلَ ظِلّي

وَرَماني -مُتَّهمًا بالنرجسِ -نحوَ خطاي

لَحْظَتَها لَمْ أَلْمَحْ جَسدًا عَادِيًّا

يُسْبى بالْحَرفِ

وَلَمْ أَلْمَحْ ذاكرةً لِلثَّوْبِ

وَلَمْ أَقْطُفْ مِنْ دفترِها حَرْفًا شَفَوِيَّا

ولهذا عاجَلَني الموتُ

وما زلتُ أُمارسُ حُمّى اللوحةِ

بينَ يديها

وأخافُ عليها

 

 

 

10- لسان حصيف

 

 

 

تَعَلَّمْتُ مِنها السِّباحةَ في الصَّمتِ

حتى رُزِقْتُ لِسانًا حَصيفا

فَجَرَّبْتُ نَظْمَ القصيدةِ

بالاتكاء على أصْبَعَينِ

فلمْ تَفْهَمِ الرَّمْزَ

قلتُ: أُضيفُ لها أصْبَعًا ثالثًا

رابعًا

خامسًا

وانْطَفَأْتُ

فنامَتْ على غيرِ ما أَشْتهي

لَمْ أَنَمْ

غيرَ أنّي صَحَوْتُ ضَعيفا

بعدَ التِقائي بنصفْي الذي

كُدِّسَ الماءُ فيهِ

اخْتَرَعْتُ مِنَ اللازوردِ الجَمالَ حُروفا

فقالت هيَ الآنَ تَروي القصيدةَ

بالرَّمْزِ

تَفْهَمُ رمزَ الأصابعِ

تَنْحَتُ مِنْ كلِّ شيءٍ

- يُوارى على صمتهِ في الغناءِ-

كلامًا خَفيفا

 

 

 

11- هكذا لغتي

 

 

 

لي فركةٌ للسيْرِ فوق منازلي

لأرى حدوس العالمينَ

وأبتني بيتًا جديدًا للرّعاةْ

لو لم تكوني غرَّةً في آخر الحاراتِ

كنتُ رأيتُ قمصاني ممزّقةً

وعينَ الماء نازحةً

إلى

مجرى

الرُّماةْ

 

هي هكذا لغتي

وأوّلُها جنينٌ طافحٌ بالغيبِ

هل نصبوا شراكًا للقصيدةِ

أمْ تخمّرَ تحتَ جُنحِ الأرضِ

ميقاتُ

الحياةْ

لو لم تكوني غرّةً للأرضِ

لانتصرَ

الجناةْ!

 

 

 

 

12- غربة الحالمين

 

 

 

لنا في المعاني، إذًا، ما جَمَعْنا

وما جَمَعَ العائدونَ مِنَ الهَمِّ والغَمِّ

ما جاءَ في سِفْرِ أجدادِنا الغائبينْ

لنا وَرْدنا فوق قبرِ السِّنينْ

لنا أنْ نضارعَ ما عَلَّمونا

مِنَ الصَّبرِ

صَبْرِ احتفاظِ الرؤى بالجمالِ المُبينْ

ونكتبَ شعرًا

على جِذْعِ زيتونةِ الأرضِ

ها نحنُ نَفْرُطُ أشواقَنا

والسُّؤالَ الذي أَرْهَقَ النَّصَّ

في غُربةِ الحالمينْ

لنحفظ، إذًا، ما تَعاورَ مِنْ فِقْهنا

إذ نُساوي المدى حاسِرًا بالغيومِ

وَنشجيهِ

حين نراودُ أطفالنا عَنْ رماد العيونْ

لأنّا رَضعْنا حليبَ البلادِ

وهِتْنا لِنَخْلقَ مِنْ صَمْتنا

ثورة اللاجئينْ!

 

 

 

13- ارْتِباك

 

 

 

وَتُوَسْوِسُ لي

وَأُوَسْوِسُ للأخرى

وأظلُّ على الهاتفِ

بين جناحينِ

وأَرْتَبِكُ

 

تَرْتَبِكُ الصُّورةُ في البيتِ

وَيَرْتَبِكُ السَّوْسَنُ في اللوحةِ

واللوحةُ تختزلُ اللونَ عَنِ الجدرانِ

وحتى الدّيك

يَشِفُّ عَنِ الخوفِ

وَيَرْتَبِكُ

 

وأظلُّ على الهاتفْ

لا شيءَ سِوى وسواسِ الجَسَدِ المعزولِ

عَنِ الفوضى

وأنامُ

ولا أَشْتَبِكُ

 

الآخرُ مثلي مَشْغولٌ بالنَّومِ

وَيَنْسى

أنّ الهاتفَ

إنْ حُبِسَ الجِنُّ على سَطحِ الجارةِ

يَرْتَبِكُ

 

 


إرسال تعليق

حقوق النشر © موقع أحمد الخطيب جميع الحقوق محفوظة
x