وجهة نظر

 


أقتفي جملةً في غناءِ الوترْ

عُذْرَ هذا الندى في الضحى

هبّةَ الريح لَمّا أغادر أرضَ المطارِ

إلى غزوةٍ غير معلومةٍ

في جواز السفرْ

ولديَّ حقائبُ معلومةٌ في كتابي

وملغومةٌ بالنظرْ

واصطفافٌ أخيرٌ على حاجزٍ طافحٍ

بالغيابِ الأخيرِ    

      إلى

            أين،

                 أين المفرْ؟

وكان أبي حين يَضْحى

يُداري غيابي عن اللازَوردِ

ليدخلَني قاعةً في الممرّ القصيرِ

فأدركتُ حدسَ المرايا الأخيرةِ

حين أطاح بأبوابهِ

وكان يمارسُ فعلَ الحنينِ

فغافلني ذات صبرٍ بحرزٍ عتيقٍ

تعلَّقَ بالعائدينَ

وأشَّرَ لي:  

هَبْ أنَّ غيمًا ثقيلَ التوجُّسِ

كان يمرُّ أمامكَ بين الحضورِ

وبين الغيابِ

أدار لطائرةٍ في السماء جناحَ الهبوط

على غير وقتٍ

فماذا ستفعل؟

قلتُ: سأرفعُ أشجار أرضي إليَّ

هي الآن تشهدُ حالي

وأخبطُ ذيلَ الرصيفِ

ليمتدَّ مثل الخريفِ انعكاسًا

لأيامهِ في المطرْ

وأركب ظهرَ الخيول التي

تملك الآنَ فجرًا ظليلا

جناحَ السرابِ المُدلىّ

على لعبةٍ في البراري

 

فإنْ يكُ بيت الهبوبِ اجتناب الممرِّ القصير

فصعبٌ على الذاتِ أنْ تستطيبَ الشرر

 

لهذا سأنجو مِنَ الموتِ

حتّى أراوغَ كأس الحياةِ

لكلِّ أبٍ في الوداع روايتَهُ

حين ينأى إلى النُّور

ثمّ يمارسُ لعبةَ شَدِّ القُرى

قريةً

قريةً

وينامُ إذا أوعزَ الليلُ للناي صوتًا خفيضًا

ورسمًا دقيقَ الحواشي

كما سوف أدفعُ بالأرجوانِ إلى البحر

هذا الرفيق الغريب الذي ظنَّ أنّي فريستُهُ

بعد هذا الخرابِ

وبعد انتشار الوباء

على صيغةِ النوم تحتَ الشجرْ

سأنجو، ولو بعضَ وقتٍ

وأفرُك ظهرَ الجبالِ التي قصفوها

وهم يبحثونَ عن الأسودِ

       الغامض المُجتبى

       مِنْ عروق الخطرْ

 

خوفٌ يُداهمُ لحم الزجاجِ

وبوحٌ لريحٍ تُقاضي سلالَ الغيوم

وبحرٌ يطاردُ أفعى السهولِ

جبالٌ تئنُ

وأضواءُ غرقى

يقولُ المحقّقُ: يكفي

فتندبني جارةٌ مِنْ بهاء العبورِ

إلى طينِ هذا المخيمِ

أرفو السماءَ بجرحي

وأرتُقُ سهل الحياةِ بلمح البصرْ

لكي أستعيدَ الهواءَ الذي في الأعالي

وأقرأ ما لا يُخطُّ على دفتر الذكرياتِ

ومرمى سَقَر

       سماءٌ تجاري بياتي

وتبحثُ لي عن وجودٍ أخيرٍ ومأوى

لكلِّ المتاح مِنَ الموتِ منفى

ومسقطُ رأس الفحولةِ بحرٌ جديدٌ

وسِفْرٌ

يحطّمُ أُفقا

 

يقولُ المحقِّقُ:     

      ماذا رأيتَ صباح المدى السَّرمديِّ

وأنتَ تغادرُ بطنَ البيوتِ التي أنجبتْكَ

وماذا جنيتَ مِنَ الأرجوانِ الذي

في الحقولِ تيبَّسَ

هل كنتَ تخضلُّ مِنْ مصْدرِ الخوفِ

أم كنتَ تهربُ مِنْ أصبعٍ في الترابِ المُبلَّلِ

أم كان للناي فيكَ عزاءٌ مقيمٌ

أمام البكاءِ تكدَّرْ؟

       رأيتُ على البابِ عَسْكَرْ

فأخلصتُ للأرضِ تِبعًا لروحي

ولكنْ سريعًا تعاطى دمي حارسٌ

فاحترزتُ لنفسي أخيرًا

مدارًا جديدًا

وأيقنتُ أنّي رتقتُ الجراحَ الأخيرةَ رتقا

 

قال لي: ما الذي قيلَ في الأرض

حتى ترى سروةَ الريح عالقةً

بالنشيدِ الأثير هنا؟

قلتُ: نصفي الذي كدَّستْهُ الحروبُ

على شارعٍ طافحٍ بالنُّذرْ

ونصفي الذي كان يَعْرى على كلِّ بابٍ

ويعرى أمام البشرْ

قال: ما الأرض حين تدبُّ على جسرِ

تلك البلاد الغريبةِ؟

قلتُ: يدي

ثمّ أمّي التي علَّموها اختزال الحليبِ

ومرّوا على جسمها

يوم نادى المُنادي

ونامَ على مقلتيها بجرحٍ صغيرٍ ضجرْ

قال: ماذا ستجني

إذا جزتَ بحركَ ليلًا

ومع نفرة الريح ذات ضحى

أوصلوكَ لخلوة روحكَ؟!

قلتُ: لكلِّ حديثٍ على ضفةِ الموتِ

ناي يخاتلُ

فيَّ اتِّساعَ النظرْ


إرسال تعليق

حقوق النشر © موقع أحمد الخطيب جميع الحقوق محفوظة
x