أعرني خلوة أولى

 

هل كنتَ تغبطُ طائرَ الرّخِ

وتنسى في الحقولِ جنازةً خضراءَ

ذاتَ بللْ

وإسفنجًا

وزوّارًا يغطّونَ الترابَ بما ترجَّلَ عن يديكَ

وأنت تقصدُ في الكتابةِ دارةَ الدنيا

وتفتحُ للعزاءِ حصونكْ  

 

نصبوا فِخاخًا للحديثِ عن المرايا

العالقاتِ على الطريقِ

وكم تأفّفَ أصغرُ الحسّادِ

حين رفعتَ رأسكَ وانسحبتَ إلى الهواءِ

مزمَّلًا بردائكَ الشعريّ

تحملُ واقعًا شَرِسًا

وتأبى أنْ يجرجرَ خلفكَ الرؤيا غريبٌ

لَمْ يكدْ يمشي إلى أسرى الحصى

يومًا، ولا يرعى جنونكْ

 

الهالكاتُ أمام بيتٍ في الطريقِ إلى الحياةِ

جلبنَ مِنْ نهر الحقولِ حكايةً للزهرِ

لَمْ يجلبنَ شمعًا للظلامِ

فكنتَ أنتَ رفيقَهنَّ على السلالِمِ

قلتَ تصعدُ باتجاهِ الشمسِ

لكنْ حينَ غافلك الصدى

خِطتَ السماءَ بإبرةِ النسيانِ

فاندفعتْ مناديلُ النساء مِنَ النوافذِ

فالتفتَّ إلى يديكَ

ولَمْ تضارعْ قطَّةً تمشي على سطح البيوتِ

كأنّها تسعى إلى ما يجعلُ المنفى بدائيًا

كأنّكَ ما اندفعتَ إلى الحديقةِ

لا، ولا حجَّتْ غواياتُ السرير لمرتينِ

ألَمْ تكنْ ترعى، وأنت تُحَوْصِل الدنيا

وتعطيها شؤونَكْ

 

ورأيتُ قامتَكَ الشجيّةَ ليلةً

تصطادُ كمثرى الهواءِ

وتنحتُ الموتَ البطيءَ على جدارِ اليائسينَ

البائسينَ، القابضينَ على تراب النائمينَ

علامةً رعويةً

حَمَلَتْكَ نحو سحيقِ

ما سجَّلتَ مِنْ ساديةِ الأسماءِ

لَمْ تنكثْ لها وعدًا

ولَمْ تطرحْ على طول الطريقِ بنات فكركَ

إذ تُعقِّدُ ما تشاءُ مِنَ الصُّورْ

ورأيتُ قامتكَ الشّجيةَ ليلةً

تصطادُ طيرًا في الأعالي

لا يضلُّ طريقهُ أبدًا

ولا ينحازُ للسربِ الذي فقدَ السلاحَ المُنتظرْ

تصطادهُ مِنْ أجلِ ساريتينِ رفرفتا

على لغةٍ تضارعُ في الضحى،

فجرًا، عيونكْ

هل كان يغبطني

لأنشرَ في الكتابِ متونَكْ؟

 

وأسوقُ مِنْ بللٍ غبار الشاردينَ

إلى قلاعٍ غير وارفة الظلالِ

وأشتهي أنْ تَصْفُقَ الريحُ الغريبةُ

خَدَّ إيقاعي الذي لوّنتُهُ بالأحمرِ الأبديِّ

لا وترٌ هنا يمشي

فيخلقُ في البياتِ ظنونكْ

 

وأميلُ كلَّ الميْلِ

لي وجعي

ولي إنْ زُحْزِحَ الليمونُ عن أشجاره الحبلى

وإنْ دفعَ الهواءَ إلى التشمُّسِ في الفراغ الحرِّ

قيْدَ تبصُّر الأشياء نايٌ حائرٌ بالصوتِ

تحجُبُهُ الهراواتُ الكثيرةُ

والعساكرُ إذ يؤدّونَ الجبايةَ

في ظلال الرتبةِ الأولى

على ريقِ التجهُّمِ بعد طيّ السّكةِ العمياءَ

في المرمى، ولَمْ تخلع سجونكْ

 

هل مِلْتَ متّكئًا على حزن الجبالِ

ذهبتَ تستقصي ينابيعَ الندى في النهرِ

تُؤنسُ ما ترهَّلَ مِنْ ترابِ العمرِ، لا أعلى

ولا شجرٌ يمارسُ ما وَعَيتَ مِنَ الألى حرزًا

ليطمع بالصدى

وذهبتَ حيرانًا ومرتبكًا إلى المقهى

ليصعدَ حارسُ المعنى منَ الفقهِ الأخيرِ

لحارةٍ ولِدتْ على أَلِفِ الحكايةِ

أنَّ إيقاعًا مِنَ اللحن القصير

يطوفُ في أرجاء أغنيةِ الجنوبِ

ليظهرَ الرعويُّ مِنْ قصص الزمانِ

يرى الكلمات نجمًا ضاربًا بالريح

لا يمشي على مَهلٍ، ولكنْ يستعدَّ

ليُبصر المعنى على شجرٍ

يُحدِّقُ في ملاسة غصنه

ويبُلّ لو أرغى غصونَكْ  


إرسال تعليق

حقوق النشر © موقع أحمد الخطيب جميع الحقوق محفوظة
x