ولم أنسخ سمائي كلها



  1- وهربتُ منها

 

 

 

وَهَرَبْتُ منها

لا إليها

فالمدى وَرَقٌ عَتيقٌ لاحَ في شَجَري

وأَعْتَقَني مِنَ الحزنِ العتيقِ

لأنجزَ التاريخَ عَبْرَ حَقائقٍ مَرْهُونةٍ لِصِبايَ

هل دَفَنوا هُنا أَثَري وَمَرُّوا

أو تجاوَزَني صَدى حلقاتِهم في الذِكْرِ

فاحْتَجَّ الْمُريدُ؟

أنا هُنا

وأنا هُنا

والصمتُ أبعد ما يكونُ عَنِ الغُيومِ

تكاثَرَتْ حَولي

فأعتقها المريدُ إلى يَدٍ مَرضِيَّةٍ

والكأسُ تُشْبِهُ نَسْلَهُ الْمُلقى

على إبْطِ الرَّصيفِ

تُنَمْنِمُ الأشياءَ في صَدرِ الغلامِ

كما يريدُ

وأنا هُنا

وأنا هُناك دَفِينَةٌ في تربةِ الأسماءِ

مِيزانُ العَدالةِ

واشتهاءُ الياسمين على تلالٍ نِصْفُها شَجَرٌ 

وماءٌ

يا أنا

فَمَنِ الذي أَلقى على أيامِهِ عِلَلَ الزَّمانِ

وقايضَ أَمْنَها فجرًا

وَسَرْبَلَ ليلَها؟!

 

وَهَرَبتُ

أَوْقَعْتُ السُّلالةَ كلَّها في مِحْنَةِ الإيجازِ

فانْفَرَطَ الحنينُ

بَكَيْتُ يا ولدي

على بلدي

وَلَمْ أَنْسَخْ سمائي كلَّها

وَهَرَبتُ

لَمْ أَنْسَخْ سمائيَ كلَّها

وخَلَعْتُ ما أَلِفَتْهُ قافيةُ القصيدةِ

مرتينِ

وكان لي أنْ أُصْلِحَ النَّاياتِ

أحزاني مُبَعْثَرَةٌ

وقلبي في المنافي

والمنافي لا تُزَيَّفُ

أو تُزَيِّفُ ما تشاءُ

لأنَّها مَحْشُوَّةٌ بِفُيوضِها

وحُضورِ أَنْساقِ الحياةِ إذا تَجَلَّتْ

أو تَهافَتَ ليْلُها

لِيَلُمَّ مِنْ هذا التَّصَدُّع ظِلَّها

وهربتُ

لَمْ أنسخ سمائيَ كلَّها

والريحُ بعدي تَستقيمُ على البَياضِ

لأَجْلِ مَنْ هَرَبَ المُدافِعُ

عَنْ زوابعِهِ

وَبَيَّتَ نخلَهُ في النَّهْرِ

ثُمَّ أتى على وادي الحِجارةِ

في شمالِ الأرضِ

واسترعى نباهَتَهُ

قِياسًا معْ نصوصِ النُّورِ

إذْ دَلَّى إلى بئرِ الكتابةِ

حَبْلَها

 

 

  2- أوَ ليس لي هذا الحنين

 

 

 

أَوَ ليسَ لي هذا الحنينُ

إذنْ بَرَدَ الحنينُ

وَجِيء بالمعنى شَهيدًا؟!

والبلادُ هيَ الحكايةُ منذُ غَرَّبَها الأهالي

بعدَ أنْ نَقَصوا مِنَ القتلى وجودًا

واستداروا في المتاهةِ

والنَّقاهةِ

والنَّباهةِ

واعْتنوا بالنردِ

ما خَلَعوا على طينِ القصيدةِ

خيمةَ الإيقاعِ

ما فَرَشوا لهذا اليومِ أسرابًا مِنَ القتلى

وما سَلِموا

فَمَنْ يَحْمي الرَّصيفَ إذنْ؟

أَوَ ليسَ لي بَرْقُ الخيامِ

وَزَيْنَبُ الأولى

وشَهوتُها تُخيطُ الشمسَ مَعْ هذا الكفنْ؟

أَوَ ليسَ لي هذا الحطامُ

على شَريطِ الهِجْرَةِ الأولى

وَهُمْ يَبْرُون شارعَنا

لأجلِ نُزوحِنا عَنْ رايةِ التاريخِ

في هذا الزمنْ؟

أَوَ ليسَ لي ما جاءَ في قاموسِ أحفادي

بلادٌ غَرَّبُوها

وهيَ تَفْتَحُ لِلتَّأَنْسُنِ ما تبقَّى مِنْ حنينِ الأرضِ

للشَّجَرِ الذي سَحَلَ الحقيقةَ

عَنْ يَدٍ مَرْضِيَّةٍ

فأَظَلَّها

 

 

 

   3- عادوا إلى آبارها

 

 

 

عادوا إلى آبارها

عادوا زرافاتٍ

وقدْ نَصَبُوا على عَرْضِ البلادِ

وطولِها

أشجارَهمْ

نَقَشُوا على آبارها آثارهمْ

وَتَخَيَّروا نُطَفَا لِحِبْرِ كلامِهمْ

عادوا

وكنتُ أُشَنْشِلُ الأشياءَ

أُصْدِرُها لِنشْرِ الرّيحِ

إذ تعدو مُسالِمَةً

وأَشْفَعُ بالسؤالِ عن الخلودِ

لِعَلَّها تعدو إلى بابي

وتقْفل كلَّ صَوتٍ في الزَّرافيلِ ابتداءً

مِنْ حنينِ البابِ للسُّورِ

انتهاءً بارتجافِ أصابعي

وَلِعَلَّها تبقى على شَجَري

إذا سَلَّمْتُها أَمْري

وَتَصْدُر عَنْ يَدٍ مَرْضِيَّةٍ

لِنَعيشَ في الرؤيا جِوارَ قصيدةٍ

نُسِخَتْ منَ القتلى

فأَوْدَعَها الهوى مَرعى

وَلِعَلَّها تَمْشي إلى أيقونةِ الأسماءِ

تَنْشُرُها على صفحاتِ ميقاتِ الأبدْ

أَوَ ليسَ لي هذا المددْ؟

وأنا أُخاتِلُ حُجَّتينِ

على نُزوعِ الموتِ في هذا الجسدْ

أَوَ ليسَ لي

وَطَني الْمُعافى مِنْ سُكُوتي

وانْتِشارِ القمح إذْ يَخْضَرُّ

في هذا البلدْ؟

أَوَ ليسَ لي جُرْحي وتابوتي

وبعضُ رياح أمراضي

ومنفاي الْمُقَيَّدُ

إذْ يُقَيِّدُ في القراءةِ بحرها

وَيُرَوِّضُ المعنى

وَيَشْجُبُ في الكتابةِ بَعْلَهُ

أَوْ بَعْلَها

 

 

 

  4- رعوية هذي الحقائق

 

 

 

رَعويَّةٌ هذي الحقائقُ

رِيشُ أنْصافِ الحُلولِ

إلى دخولِ الموتِ مِنْ قَلَقِ المدينةِ

وهيَ تُغريني بِشُرْفَتِها الأنيسةِ

والطُّيورُ على النَّوافذِ تَشتري عُشًّا

لأقطعَ واديَ النِّسيانِ

والجيرانُ مَهْدِيُّونَ

هل يبكونَ؟

لا حَجَلٌ هُنا يَنْفَضُّ عَنْ جيرانهِ

يبكونَ

لا مَطرٌ هُنا في الأرضِ

يُنْعِشُ سيرةَ الأعشابِ

هل يبكونَ؟

قالت زهرةٌ: هذي خطاياهمْ

وتلك حقيقةُ الأشياءِ

إيعازُ المساءِ لكوكبِ المعنى:    

أَضِيءْ رَحِمَ الوجودِ إذا تَدلّى

مِنْ سُقوفِ النهرِ

لا شَبَهٌ ينام على الحديقةِ

أو مساءٌ عابرٌ ليلًا

ليودِعَ نحلَها

 

 

 

  5- وغدا صفيح الناي مثقوبًا

 

 

 

وَغَدَا صفيحُ الناي مَثقوبًا
هُنا تاريخُنا وبيوتُنا
وهُنا جنازتُنا، إذًا،

فاسْتَفْتِحي يا ريحُ
إنَّ مَئُونةَ التابوتِ خَيْطٌ مِنْ رِداءِ الفَجْرِ
تكريرُ الوصيَّةِ للبناتِ

وللذكورِ
وللنِّساءِ

المترفاتِ

وللجواري
وَلِفِطْنةِ الشُّعراءِ إذ يَعْشونَ عَنْ أَمْرِ الخطايا

والبرايا
للمقاهي وهيَ تَفْتَحُ كفَّها
لليلِ مَنصوبًا على شرفاتِ أمْنِ التلِّ

مِنْ عَبَثِ الذِّئابِ

وللعذارى

هُنَّ عَنْ أَمَلٍ يَجِئنَ إلى السَّريرِ 
ولا يَجِئنَ مِنَ الغُبارِ

كأنَّهنَّ خُلِقْنَ مِنْ صمتِ الجهاتِ 
فَقَدْنَ مِنْ عِلَلِ القصيدةِ عَدْلَها

ولأنني في كلِّ شيءٍ

صغْتُ إيقاعَ الميادينِ الضَّعيفةِ عَنْ يدي

وُلِدَتْ لدى أسمائها لغةٌ

لِتطلقَ خيلَها

ولأنني جسَّدتُ إيقاعي على أوزانِها

وَخَلَعْتُ عَنْ كفّي فضائلَ صمتها

جاءتْ على مَهَلٍ إلى بيتي

لِتُثْبِتَ أَصْلَها

وَهَرَبْتُ منها

كي أعدِّلَ

نَسْلَها


إرسال تعليق

حقوق النشر © موقع أحمد الخطيب جميع الحقوق محفوظة
x