صِياغَتان ولؤلؤة

 


(1)
تَرَجَّلَ
لكنَّهُ غادرَ البيتَ والكائناتِ
ظَهيرةَ يومٍ كسولٍ
ولم ينتبهْ للغُرابِ
فقلتُ لَهُ: يا ابنَ جاري
عليكَ بهذي المُتُونِ
فَصَفَّرَ حتّى غدا واثِقاً مِنْ إيابي
ولَمَّا قَصَفْتُ لَهُ بيتَهُ
جاءَ يسعى
ومَرَّ كإبْرَةِ خَيْطٍ عَتيقٍ
عَتيقٍ مُدَلّى على شُرفةٍ لا يراها
ولكنَّهُ
بعد حَدْسِ الطُّيورِ
رأى سيرتي في كتابي

أنا ظِلُّهُ في الوَصايا
وفي نَزْلةِ البردِ
في شَرَكِ الغيْمِ حين يُضَبَّبُ هذا الزُّجاجُ
ويمنحني مَحْوَهُ في بخارِ الشَّبابِ

تَرَجَّلَ مثلي
ولكنَّهُ
لم يعرْ قَلْبَهُ للصَّبايا
وما خَرَّ حين رأى الليلَ ينشُرُ
نجمَ الضُّحى
في الترابِ

شَقِيَّانِ نحنُ
افْتَرَقْنَا على جِذْعِ هذي المرايا
المرايا التي لَمْ تَزَلْ عتمةً
في البيوتِ الجريئةِ
حتّى إذا نَحَتَ الصَّخرُ صُورتَهُ
في ينابيعَ شَتَّى
وآثرَ سَفحَ التلالِ القريبةِ والزَّعفرانَ
وَضَجَّ بِما عندهُ مِنْ حوانيتَ
قال: أنا رُكنُ هذي الجيوبِ 
وأفتحُ قلبي وبابي

كُلَّما جِئْتُ أرقُبُهُ، خانني
غيرَ أني رَسَمْتُ لَهُ في الخريفِ
سماءً وأكثرَ
حتّى تَعَرَّى
كُلَّما جِئْتُ في نِيَّةٍ للحُصولِ على ظِلّهِ
فارَقَ الحيَّ ليلاً
ولَمْ يَنْدَهِشْ مِنْ غيابي


(2)
هوذا صاحبي في السَّحابِ
طائرٌ كان يُوْمي لجارتِهِ بالحياءِ
ويَسْكُنها حين تأوي إلى بَيْتِها
كيف لي أنْ أُقَطِّعَهُ
قِطْعَةً
قِطْعَةً
ثُمَّ أَرْوي لَهُ قصةً عَنْ حِجابي

هوَ المُسْتَريحُ على شُرفتي في الضُّحى
والنَّبِيهُ القَتيلُ
وباسْمي يُتيحُ لأَهلي عَزاءَ الْمُقيمينَ في البَرِّ
يُرْخي لهمْ جُثَّةً مِنْ نَسيجِ الهباءِ
ويخلَعُها فارِكَاً حَبَّةَ القَمْحِ
أو تارِكَاً حَقْلَها
وفي بَيْتِهِ لا تنامُ الحكايا
ويبقى طريحَ الفِراشِ
لَهُ أُذُنانِ
وتَسْتَمِعانِ
لأغنيةٍ عنْ شمال البلادِ
وأخرى عَنِ البُطءِ في لَمِّ حَبْلِ الغَسيلِ
وعينانِ
تَتَّسِعانِ
بحجمِ الهِضابِ

كان في البيتِ يَرْسُمُ شيئاً لأولادِهِ:
يا طَفارى سَأَزْرَعُ وَرْدَ الحديقةِ
كونوا لها ماءَها في الضُّحى
كان في البيتِ يَرْسمُ شيئاً
ولكنَّ غيمةَ هذي البلادِ أَتَتْ نَخْلَها
فَخَطَتْ بالتِفاتٍ عجيبٍ إلى قلبِهِ
ومَحى
كلَّ ما خَطَّ مِنْ صَبرهِ
وهو يذرعُني عائداً بالرَّحى!!


 (3)
بَحْرانِ حَبْوَهُما في صالحِ الجَسَدِ    
قد حُمِّلا لغةً
والموجُ في كَبِدي  
لَمْ يَعْتِقا دَمَها أُرجوحتي
وأنا سَرْدَاً على القَوسِ أمشي
والغريقُ يَدَي

مَرَّا بِخَيْمَتِنا ليلاً، فأَعْلَمني
هذا الحنينُ بِمَعنى الموتِ في بلدي
فقلتُ أَهْلاً برؤيا قد حَلمْتُ بها
فاسْتَأْذَنا لغتي جِسْرَاً إلى الأبَدِ
حتّى إذا ادّارَكَ المَجْلى هُطولَ دَمي
أَشْرَقْتُ بالأرضِ
لا بالنُّور يا ولَدي        



إرسال تعليق

حقوق النشر © موقع أحمد الخطيب جميع الحقوق محفوظة
x