إذا أردت أن تكون شاعراً



1- قال لي



قال لي
إذا أَرَدْتَ أنْ تكونَ شاعراً
بِحَجْمِ هذا الكونِ
نَقِّبْ في التُّراثِ عَنِ العيوبْ
وإذا أَرَدْتَ الناي مِنْ غيرِ ثُقوبْ
فانْقَعْ هواءَكَ في الجُيوبْ

قال لي
إذا أَرَدْتَ النِيلَ
والقلبَ الفُراتْ
فارْجُزْ مِنَ الأفعالِ رَشَّ الإفْكِ في ملكوتهِ
واعثرْ على لغةِ القُلوبْ
تبدو عَيِيِّاً
أوْ صَحيحاً
غيرَ أنّكَ بالهوى تهذي
فَيَسْكُنُكَ الخرابْ

الأرجوانُ مُعَطَّلٌ
والليلُ مُبْتَسَرٌ يفيضانِ انكساراً
واحتجاباً عَنْ مُراوغةِ الشَّبابْ

جِنْيّةٌ صُورُ القصيدةِ
حين يَكْسرُها الخروجُ عَنِ النَّمَطْ
جِنْيّةٌ
وحُضورُكَ الطَّاغي
دِفاعُ الوردِ عَنْ شيءٍ غَلَطْ



2- الأَنْسَبُ لي



الأَنْسَبُ لي
أنْ أَحْمِلَ أوراقَ الليمونِ
وأكتبَ أشعاري في شهرِ الكانونْ
والأَنْسَبُ لي
أنْ أتَفَقَّدَ صَحْنَ البيتِ
ومدفأةَ الكانونْ!

الأَنْسَبُ لي
أنْ أشْطُبَ كلَّ الطرقاتِ إلى روما
أنْ أتَقَيَّدَ بالتَّقْويمِ
لكي أُفرِجَ عَنْ نَفْسي بعد تَكاسُلِها
عَنْ تكسيرِ الحَظّْ
والأَنْسَبُ لي
أنْ أَحْفُرَ بِئْرَاً أَمْلَؤها بالحِكْمَةِ
مِنْ سِرْدابِ القَيْظْ!

الأَنْسَبُ لي
أنْ أحْفَظَ ذاكرةَ العَوْدَةِ
أنْ أفْتَحَ باباً مُوْصَدةً منذ تآكلَ هذا القفلُ
ومنذ تعددتِ الأسبابْ

والأَنْسَبُ لي
أنْ أعرَقَ في شهرِ الكانونِ
لأَعْرِفَ إيقاعَ اللبلابْ

الأَنْسَبُ لي
أنْ أُغلِظَ بالأيْمانِ
إذا وَصَلَ الأمرُ إلى وطني
أنْ يَتَجَهَّزَ لي كَفَني
الأَنْسَبُ لي
أنْ أسْتَصْلِحَ مِنْ إسْفِنْجِ القلبِ عُيوناً
لا يُطْفِئُها النِّسيانْ

والأَنْسَبُ لي
أنْ يَتَدَرَّبَ طِفلي
بعد صَلاة الفَجْرِ على تَطويرِ الفِكْرَةْ
أنْ لا يَمْنَحَني وقتاً عَربياً
أَطْوَلَ مِنْ سبعين ضَياعاً
والأَنْسَبُ لي
أنْ أَنْسَجِمَ مَعَ الثَّورةْ
وأعدُّ العُدَّةْ
ثُمَّ أُعيدُ الكَرَّةْ!!


3- تشكيل



يَسْتَنْهِضُ قلبَ الشَّارعِ
مِنْ عَثْرَتِهِ
يَتَفَلَّتُ مِنْ صوتٍ مَلْفوحٍ بالكيمياءْ
قبلَ قليلٍ
كان أسيرَ الأبيضِ
يَتَخَطّى مَرضَ الكَوْنِ
ويَشْعُرُ بالإعياءْ

هوَ ذا يَحْرصُ أنْ يمضي بموازاةِ
الشَّمسِ صباحاً
ويحاولُ... 
اللحْيَةُ كَثَّةْ
الوجهُ نحيلٌ مَنسوجٌ بحرارتهِ
والرُّكبةُ يَخْطُفُها الإيحاءْ

كان يُطاردُ ذِئْبَ الغَفْلَةِ قبلَ أسابيعَ
وينهضُ بالحُبِّ على اسْتحياءْ
كان يُباري شَمسَ حزيرانَ ويمضي في جُعْبَتِها
مُتَّشِحَاً
بالوردِ
ومملوءً بقميصِ الأحياءْ

والآنَ
وبعدَ أسابيعَ قَضاها في المنفى
يمشي
-        مُحْتَرِزَاً -
مَعْ مشْيتهِ
تابوتُ الأعضاءْ!

4- لعبةُ الشَّاعر



في لعْبَتِهِ
بِجوارِ الدُّكانِ الغَرْبيِّ
يَقُصُّ الشَّاعرُ سَرْدَ حكايتهِ
ويقولُ: أنا أوَّلُ إيقاعٍ للياقوتْ
يَتَلَهّى بالقُرْبِ مِنَ الدُّكانِ
صَغيرٌ  وَلَدَتْهُ الماعزُ قُرْبَ البِئْرِ
فصارَ يرى امرأةً مِنْ صَخْرٍ مَنحوتْ

في لعبتهِ
وَرَقٌ تطفحُ مِنْ غَبرتهِ الرُّؤيا
أشجارٌ تَهْرُسُها الرّيحُ
ونافذةٌ لامرأةٍ أغْواها الجانْ
في لعبتهِ خَرَزٌ أزْرَقُ عَلَّقَهُ الشَّيخُ سليمان
أمام الدكانْ
لِيَرُدَّ العَيْنَ عَنِ النّسْوةِ
إذ يَمْشِينَ إلى واحتهِ كَزرافاتٍ
أو كَقَناديلَ مُعَبَّأَةٍ بالزَّيتِ يكادُ يُضيءُ
ولو لَمْ يَسْتُرْ شَهْوَتَهُ التُّوتْ

في لعبتِهِ
دارَ يدورُ
وَسَلَّمَ عُهْدَتَهُ للأطفالِ
وراحَ يُقَهْقِهُ في التَّابوت

أوَّلُ إيقاعٍ للياقوتِ أنا
وعلى ذِمَّةِ راوي الأحداثِ
وكنتُ صَبِيَّاً لا يَعْقِلُ مَنْ ماتَ
ومَنْ ظَنَّ بأنَّ على رأسِ غوايتهِ
شَجَرُ وَسْواسٌ
مِنْ واقعِ ما اعْتَقَدَ لخَلْوَتِهِ آدمُ
لا يَنْكُثُ هذا الموتُ سَريرتهَ لِيَمُوتْ
لأنَّ الماعزَ  _قُرْبَ البِئْرِ
مُعَطَّلَةً كانت_
وَلَدَتْهُ على شَالِ الدُّنيا
إذْ ظَنَّ
وما ضَنَّ الشَّاعر بالتأويلِ
على نافذة المعنى
حين تَطايرَ مِعراجُ الملكوتْ!

وصارَ الدُّودُ رفيقَ اللعبةِ
دارَ
يدورُ
وغادرَ أحفادٌ وبَنونَ وعُمّارُ الأرضِ
وقَعْقَعَةُ الأرجل تأخذُهُ مِنْ صمتِ الحرُّاسْ
أَجْزِمُ أنَّ الشَّاعرَ كان يُلازِمُهُ
دَوَرانُ الكأسْ!

5 يختلفُ المعنى



يَخْتَلِفُ المعنى
في تَوْصيلِ المبنى
والمبنى يَخْتَلِفُ على تأويلِ المعنى
حين يكونانِ على ضِدَّينِ
فأيُّهما أَبْقى

يَخْتَلِفانِ
وَيَفْتَرِقانِ
إذا جاءا في الليلِ
إلى أرضٍ غَرْقى

يَخْتَلِفانِ
وَيَتَّفِقانِ
إذا نَزَعَ النَّصُّ الميقات الأَشْقى
حيثُ مدارُ الدَّلوِ
يَثُوبُ إلى رأسِ النَّهاوندِ
وبينهما يَسْتَعْذِبُ جيشٌ
مِلءَ إرادتِهِ
الأتقى!



6- مفردٌ في القصيدة



مُفْرَدٌ في القصيدةِ
ساردٌ للضَّبابِ الأخيرِ أمامَ يَدِ العابرينْ
مُوْلَعٌ بالهَزائمِ
تمشي إلى بيتِنا
قاطِعٌ بالهبوبِ الذي يَنْقُصُ الآنَ
مِنْ ساحةٍ في البلاد المريضةْ
حارِثٌ للجَفافِ
وَمُنْتَبِهٌ للزَّفافِ
وَمُنْتَشِرٌ في صَقيعِ الجهاتِ التي رَكَنَتْ
حين أدَّبها صاحبي
عازِفٌ عَنْ طريقٍ تَصُبُّ على مِنْبَعِ
الذّكرياتِ
إذا حَضَرَتْ شُرفتي
آنَسَتْ غيمةٌ  ضوءَها
حَسْرَةً
واشْتَهَتْ أنْ تَمُّرَ على رُكْبَةِ الرَّسْمِ
ذلكَ أدنى بأنْ تُخْطِئوا
بالقراءةِ بعدَ المئةْ
وأدنى بأنْ تَنْشُروا حبلَ ليلِ النهاياتِ
والأوبئةْ
وأنْ تُكْثِروا
ذلكَ أدنى بأنْ تَعْثُروا
على أيِّ أرضٍ
سُلالاتُها مِنْ بقيعٍ تمارسُ
هذا البهاءْ!!


7- يَشْرُقُ بالذي أوَّلْتُهُ  



أَمْسى
لكي يَتَأَلَّمَ المَرْسَى
وَبَكى لكي يمشي إليَّ هُنا

قلبانِ نحنُ كأَنَّنا
جُزْنا شِغافَ الحيِّ
فانْتَعَشَ السَّنا

هوَ قلبُكَ الرَّامي بِخِفَّتِهِ
شيئاً عزيزاً خائفاً مُتَحَصِّنا

ولِكَثْرَةِ الأحبابِ فيهِ رأيتُهُ
مُتَوَحِّدَاً معْ حارةٍ للرّيحِ
تَعْزِفُ ميجانا

أَمْسى غريباً في هواهُ يَحُفُّهُ
وَجَعُ انكسارِ الماءِ في غيبوبةٍ
فَرَدَتْ جناحيها
لِتَقْرَأَ أَمْنَنا

العاشِقُ الجَوَّالُ في سُبحاتهِ
والشَّاهِدُ العالي
على شَجَرٍ تَقَصَّفَ بعدَنا

وعليهِ رَدْمُ الهُوَّةِ الكبرى
ومُنْعَتِقٌ
لَهُ كُنْهُ اسْتِباقِ العارفينَ إلى يديهِ
وسَلْسَبيلٌ لَمْ يُحِطْ عِلْمَاً
فأَدْرَجَ حُوتَهُ في البَحْرِ
قال إليكَ عنّي
قدْ نَذَرْتُكَ مُؤْمِنا
فَعَذَرْتُهُ إذ كان يمشي فوق إصْبَعِهِ
ولَمْ يلهو
بأَعْمِدةِ الفَنا

صَبَّارتانِ على رَصيفٍ تائِهٍ
في شارعٍ يخطو إلى ميدانِهِ ليلاً
ويفقدُ وَخْزَةً للشَّوكِ
إنْ مَرَّتْ بناتُ الحيِّ 
ألقى في الوِشايةِ
نَهْدَ توشيحِ الأنا

كَمْ كان يُشْرِقُ بالغناءِ
وكنتُ أحفظُ ميجانا
عَنْ لحظةِ التَّمْكينِ في قَصْدِ السَّبيلِ
وكانَ يُشْرِق بالذي أوَّلْتُهُ
لكنَّهُ سَطْرٌ على وَرَقٍ
تَعَلَّلَ منذ بَدْءِ القَصْدِ في ناي الجهاتِ
على الهبوبِ
وكان يَعْشَقُني
وصارَ الآنَ رَسْمَاً بيننا!!



إرسال تعليق

حقوق النشر © موقع أحمد الخطيب جميع الحقوق محفوظة
x