نقوش حفيد المعري على لوحٍ محفوظ




            إلى ياسر الأطرش

صباح الغيوم المليئةِ بالحزنِ
إذ تتمشّى
ويعلَقُ في ثوبها ما يشاءُ الردى
وإذ تتمشى
فأمشي إلى ورقٍ ضالعٍ بالندى
صباح المرايا التي أَفرغتْ حِملَها فوق ظلي
وإذ تتمشى
فأمشي إلى الأرضِ
هذا أنا بعد سرْدِ الخفاءِ
ستنتبهونَ لقلبيَ إذ ينتبهْ للصلاةِ
ووحدي
كما حجلُ الريحِ أصطكُ من وجعٍ بَرَدا
صباح القُرى
والرّهانِ الأخير على الجسرِ
نخطب ودَّ الغيابِ
كما الشّهداءُ
يكيلونَ للأرضِ أحلامهم
ثمَّ ينسحبونَ إلى سرّهمْ
يا أبي هل نزعتَ دماً عربياً مِنَ الأبجديةِ
حتى ترانا الموالي؟!
... ولا أحدٌ يُرفقُ الآنَ يا سيدي
لو رفعنا على الجرحِ وجه المدى!
صباحُ الديوكِ
إذا انتظرتْ سيّدا
وخفّتْ بأضلاعنا تحت برد السؤالِ
وسوسنِ هذا الكتابِ الذي
لم يغادرْ من الشيءِ في فقهنا موردا
صباحُ الموازينِ للقسطِ
نغبطُ جنيةَ الريحِ
والعشبِ
وادي الأميراتِ يطرحنَ في حلمهنَّ الندى
.../ ما تشاءُ الطيورُ
وما قد نشاءُ إذا سلسلَ النورُ
ثوباً يُقَدُّ من الوجدِ
أو رفرفَ الحبُّ في جمرةِ الروح يوماً يدا

ويُنشى على الجسر
هذا المناخُ الجميلُ
كما حرّروا بالنشيدِ أصابع رؤيا الظهيرةِ
ثمّ استهلّوا الغناءَ على شرفاتِ الزحامِ
وناموا، بلِ التمَّ بعضُ الفراغِ
على بعضهِ، واستدارَ البهيُّ كما الأنبياء
ألا فاخلع الأرضَ عنْ وحشةٍ
كيْ تمرَّ الرجولةُ في المبتدى!!

توارى دمي
بعد عامينِ من قهقهاتِ الوجودِ
فأخلفَ لي موعدا!!
وحُزتُ على نصِّ ريحٍ يطاردها الغيمُ
واخترتُ للناي بعد تأنّقِ هذا الصباحِ
لهُ مسجدا
فأمهلني صاحبي طلقتين على فجرهِ
فاعتزمتُ القدومَ
لأُمهرَ لي
ولهُ في الضحى موقِدا
وإذ ينبني في تخاطرِ هذا الضحى قمرٌ
أشتهيهِ على علّةِ الجرحِ
أشهى من الضوءِ أنْ تهتدي للحياةِ
كما لوْ أتتْ عنْ علٍّ 
ثمَّ أخلفتَ عن جللٍ للهواء حكايتَهُ
واختلفتَ مع الريحِ
لو أنّها سلّمتْكَ الموازينَ للقِسطِ
ما كنت يا صاحبي
غيرَ بحرٍ من الحبِّ تُنجي العذارى
وتفلتُ منها غدا

ولدى شرفتي شاعرٌ جلّ
فاستقدمتْهٌ الغِواياتُ عن نهدها
فاهتدى
ولمّا تحكّمَ في عُمرهِ مرّتينِ
أحال اللظى مرقدا
فقالتْ لهُ أمّهُ: أيْ بُنيَّ
الطواحينُ محشوّةٌ بالقماشِ هنا ثوبها
واللباس الذي كان جدّي
يميلُ مع الريحِ إنْ هفَّ
هفّتْ لهُ
والأمومةُ سرٌّ من الطينِ
أو رجفةٌ في حنين اللغاتِ إلى ظلّها
فكيف إذا غرّك النومُ
كيف إذنْ سوفَ تأتي الجهاتُ
إذا ركضتْ بعد سبعٍ من الأرضِ
أو أخذتْ نفْسها من ضلوع الكتابةِ
ثمَّ غوتْ
والتوى خلفها الماءُ
كرَّ.../، ومن حيرةٍ في الكلامِ أقامَ لهُ مِسندا؟!

لياليكَ في روضة العائدينَ إلى بوحهمْ
مثلَ نفسي تقيلُ الكلامَ عن اللونَ
حتّى إذا عمروها كما عمروها
أطلّتْ برأسِ السنينِ
وساقتْ إلى دارها كلّ شيءٍ
وعادتْ إلى حيّنا
فاسترحنا على بابها سُجّدا

ونحنُ لها.../
لا نرى غيرَ إرثٍ طويلِ العذاباتِ
نعبثُ بالناي في قلبهِ
ثم نقطعُ ناديَهُ
والحقولُ البعيدةُ بانتْ
فأملحها سيّدُ الشعرِ من ريقهِ
ثورةً للجهادِ
أكاليلَ من بهجةٍ
والحرابُ هنا في المدينةِ كدُّ من النثرِ
كنتُ إذا جرّني للوسادةِ
أغدو كمنْ فعلُهُ اتّقدا
أكاليل ناسَ لها الكلُّ
فاختلفَ الشعرُ مع نفسهِ
ثمَّ وصّى لأرضِ المتاحِ من المتخيّلِ حرفاً
يقاسُ بهِ الموجُ
لو فرّ من غمدهِ الماءُ
أو طاولته الرياحُ
...، أنا الآنَ بين حقلينِ من عسكرٍ في الشمالِ
وآخر من أطلقتْهُ الرجولةُ في رحمها
كيْ يرى دمَهُ سِبحةً للمقامِ
هنالكَ في ردهة للجنوبِ وليس سُدى!!

وأعرجُ
لا أذبحُ الظلّ لو مسّ طيني
ولم يجدِ الأرضَ مُلتحدا!
وليس هُتافي هنا طائرٌ خَلَدَ الريشُ في أمرهِ
واكتوى بالهتافِ
فأسلمني للقصيدةِ
حتى إذا قُمتُ أرشُدُ
صار لبعض الندى مُرشدا
أبيٌّ
عصيٌّ على الموتِ
أيضاً عصيٌّ على غربتي
وعصيٌّ
وأمرَضُ
هل يمرضُ الطينُ؟!
...، أرضي بلا شُهبٍ
والسماءُ إذا مَرِضَ الطينُ
قالت نساءٌ هنا في القصيدةِ:
كُنْ واجداً مثل رمحٍ طليقٍ لمنْ وُجِدا
جواراً، وقبضَ نواعيرَ تملأُ أحياءنا بالخلودِ
 إذا عاشَ من شَكَّ في أنّهُ خُلِّدا

على مهلِهِ حزَّ رأس السهولِ
وأفرد للماء ينبوعَهُ الأجودَ
وعشّبَ أرض الخيالِ
وما لاح في أُفقٍ الصّيدِ بعد الرحيل الأخيرِ
وما نصبَ الحرُّ جبهتَهُ إذ شدا

_ ولي أنْ أبيعَ السلاسلَ في الحالتينِ
وأغمُرُها بالثيابِ الأخيرةِ في الموتِ
أو أنزوي في أعالي السماءِ
_ وأنشَدَنا أنْ نُعيرَ الكتابةَ منْ جرحهِ
ما تشاءُ السلالةُ في الجُبِّ
لو جيدُهُ في السجونِ رأى زرقةً
أو جفا جفنُهُ ما بدا منْ ملامحَ في باب " دوما "
وفي خلوةً حجَّ فيها النبيونَ يوماً إلى " إدلبِ " الأرجوانِ
أو الشّعراءُ وقد خالَهمْ يومها سُهّدا!!
وأتى
فاستوى الماءُ
لا للسّرابِ
ولو عندَهُ صار للريحِ مأوى
وصار الكلامُ على فقههِ عسجدا
كمن لوّنَ القوسَ
جاءَ بأنسابهِ
فاحتفينا بهِ
غيرَ أنّا سعينا إلى جرحنا
فانتسبنا لهُ
فارتقى للحياةِ بأشراطها
ثمَّ جاءَ
ليشهدنا حينَ غاصَ بأيامنا
_ أيّها الناسُ هل جاورتكمْ بلادي
وهل كنتُ إلا على البابِ أخطو
لأشْهَدَكمْ في مقامِ القلوبِ
تُزكّونَ منْ حجَّ في جرحهِ
ثمَّ ساق الحياةَ ليستشْهِدا
ولي أبدٌ في مقام الخلودِ
إذا أبصرتْ عينُكمْ حيرتي
فاشهدوا أنني جئتُكمْ من بلادي
فتًى يصحبُ الشعرَ لا يتمارى
بفقدانهِ
لو تعجّلَ
أو سطوةُ  الفقدِ حازتْ على لغةٍ لا تُفيدُ
كأنّي أعاجلُ بركانَهُ الأسودا

أنا الإدلبيُّ
ولي قبضةُ السيفِ
ذبحُ الوريدِ إذا صبوتي لم تجدْ في دياري
غداً مُنشدا
أنا الإدلبيُّ
أسيرُ على كلماتي عصيّاً على نفقِ في اللجوءِ
وأعصِرُ تفاحةً
كي يتوبَ من الذنبِ آدمُ
خلْوَ اشتهاءِ الشوارعِ
وهيَ تفيضُ بأبنائها كلّ يومٍ
لتحزِبَ من أمرِهمْ مشهدا
للحفيدِ الذي يظمأ الموتُ في سعيهِ
أو يؤثّثَ لي عند باب القوافي دماً مُنجدا
لأعقدَ ما عَقدَ المُلهَمونَ
وهمْ يحضرونَ إلى سيرتي كالفراشِ
وأعقدَ ما شاء لي شعبُ " درعا "
من الحرفِ حتى بواكير جسر " الشّاغورِ " 
لتنشطَ هذي الحياةُ بأسرارها
وهي تسعى إلى درءِ ما كنتُ أطلبُهُ من رفاقي
_ إذا نبسَ الغيمُ بالأمنياتِ تواصوْا بظهريَ خيراً
وقولوا لجدّي المعرّي
أنا لم أعدْ في سياق القصيدةِ أسعى
لأسعى
ولكنْ ليفقدَ فرعونُ ما كان يصنعُ
إذ أجتبي من عصايَ الرفيعةِ أرضاً ومعنى
وتهدرُ في موجةِ الشعبِ تحتَ انحسار الظلامِ
كتائبُ كلِّ الطقوسِ الأخيرةِ في فصلِ هذا الركوعِ
ونحيا على سيرةٍ من هُدى

وهلْ ورَدوا أمسَهمْ
أمْ تواصوْا بأمّيَ حينَ خرجتُ إلى نصرهمْ
في ديارِ قريبةْ؟!
ولو أنّهمْ أدركوا جثتي في تزاحمِ هذي المطاراتِ فرداً
لحجّوا إليَّ بنفسي الشهيدة
لأني زرعتُ بأحلامهم كلّ روحي
ولم اجتزئ منْ هواها الحكايةَ بعْدُ
ويدركُ ذلكَ جدّي.../
فأبصرني بالتفاتٍ أخيرٍ
وقال: إذا نمتَ فاحلجْ من العشبِ
شيئاً غريب الملامحِ
شيئاً إذا متَّ يبقى على عودهِ يا حفيدي
وطِرْ لو تأزّم بابُ الكلامِ
وأدركَ عصيانهُ الموجُ
واختارَ كيف يواجِهُ في خلوةٍ زبدا!!
أنا منْ تكلّمَ في المهدِ
روحي على كفِّ نفسي
لأني خلعتُ من الخوفِ نونَ الوقايةِ
حتى أجزتُ لنونِ الكتابةِ مفتاحها الأمردا
أنْ يعيش كما هُوَ يهوى
ولو طارَ في موتهِ واختفى
أو تعدد في كلّ هذي العذاباتِ
فالظامئونَ تعرّى على رسلِهمْ
واستوى عُودُهُ بيّناً أبدا
واضحاً كالسماءِ
ومنتبهاً سرمدا

إليَّ بنفسي
و " حمصِ "  التي خلّدَ اللهُ فيها بأسمائهِ
كلَّ طِيبٍ
وخلّدها في دمي
كي يدومَ الذي وُجِدا
شكوتُ لها مرّةً حيرتي وهواني على النّاسِ
إذ لم تعدْ غصّةً للحوارِ
فأرّقها
فالتوتْ حول جيدي
وأبهرها أنني سرتُ في عرسِ رحمِ " سراقبَ " 
ذات الشمالِ وذات اليمينِ
لأشهدَ لي بعد نفي الحياةِ هنا مولِدا
.../ ولكنْ
لوِ التفَّتِ السّاقُ بالسّاقِ
ما كنتُ أخلفُ للموتِ طعم الحياةِ
وما كنتُ من تعبٍ أصطفي الكبدا
لترفَعني في السّما حجةٌ للخلودِ على غير ما أشتهي
أو أعود إلى حضنِها ولَدا

أعودُ إليها
ولي حُلُمٌ لا شبيهَ لهُ في المنامِ
ولا واقعٌ من دمي حُصِدا.
كأنّي رمقت على جمرتينِ حلولي
وأفردتُ للنارِ ما اتّحدا
لأحيا وحيداً.../، بعيداً.../،
قريباً من المهرجانِ الختامي لدولتهمْ
ثمَّ أرُجِعُ للنورِ مَنْ في قُرى جسمهِ ابتعدا
وألمحُ للضوءِ في ثورةِ الشعبِ كوكبةً من ملائكةٍ سُجّدا
لأغدو نبياً يرى روحَهُ الأتقياءُ
وأغدو يدا.

تقولُ مُظاهرةٌ في الهوامشِ
إنّي حصدتُ النهايةَ من ثوبها الآدميِّ
وفزتُ بأيامِ نفسي على كلّ حالٍ
وما جُزتُ صبرينِ
لكنها أمطرتني اللغاتَ
لأعزفها في ميادينَ شاسعةٍ
من بلادٍ تفيضُ بأيامها إذ أرى كمدا
كأنّي
وأطلقُ آخرَ ما نقشَ الصاعدونَ
إلى ربّهمْ موطناً جُلِدا
لينساقَ لي
من رأى غيمةً تُمطرُ الموتَ في نسلهِ جَلَدا
أنا الإدلبيُّ
وبابي مُشرّعةٌ للكلامٍ
وعمري يُطاردُ عسرينِ في يُسرِه
فاقرءوا سيرة الماءِ في نصّهِ.../، بردى!!
يعيشُ بلحنينِ، لحنِ المُطارَدِ
والأرجوانِ الذي سحَّ في قلبِ عاصمةٍ لم تلد بلدا
أنا الإدلبيُّ
سراقبُ طيني
وروحي مُعلقةٌ في هواها
وحِجْريَ متنُ الحوارِ يميزُ على سِكةِ الحرفِ حرفي
فأبعثُهُ في البلادِ نبيّاً ليشهدَ من باعَ
أو صَمدَ!!
أنا الإدلبيُّ
وأسألُ: هلْ يقبِضُ الموتُ روحاً
تجلّتْ بأعرافها
في الحضورِ كما الأنبياءُ
ولم تَلْبَسِ الطينَ في عُرفِها جسدا؟
_________
*المدن الواردة في النص من المدن السورية


إرسال تعليق

حقوق النشر © موقع أحمد الخطيب جميع الحقوق محفوظة
x