مَجازٌ للطيران



في السَّاحةِ خلفَ البيتِ الآيلِ
ثَمَّةَ إيقاعٌ خَافِتْ
وَرَضِيعٌ يجلسُ بين يديِّ الحربِ
وأرملةٌ تَسْتدعي شمسَ حزيرانْ
في البيتِ سماءُ من ذَهَبِ المعنى
ومَجازٌ للطَّيرانْ

في السَّاحةِ
ضوءٌ مُنْفَلِتٌ مِنْ قَمَرٍ شاحِبْ
وغزالاتٌ حَيرى
وجبالٌ تَنْفُقُ تحتَ أزاميلِ النَّحاتينَ
ومعنىً يَنْقَلِبُ على النّسيانْ
في السَّاحةِ
أرملةٌ
وديوكٌ
وجِفانْ

وتدورُ على قُبعةِ الحُجْرةِ عينانْ
يُكْسَرُ إزميلُ النَّحَّاتِ
ويَقْصُرُ عَنْ آيتهِ الشَّاعرُ
حتّى تَتَّسِعَ الرؤيا
أو تَتَّسعا
ولهذا يَضْبُطُ غائيةَ مَجْراهُ المعنى
ويبوحُ بما مَلَكَ الشَّاعرُ
مِنْ أكفانْ!

في السَّاحةِ بعدَ الظُّهْرِ
وقبلَ المغربِ
يَسْتَمْرِئُ ولدٌ لعبتَهُ
حين يضجُّ الوِلْدانْ
فيعودُ إلى ضِلْعِ أبيهِ
وأَعْلاقِ النَّصِّ
ويحفظُ ما كانْ

ذلكَ ما كانْ
يَصْطَفُ الرَّحالةُ رجلاً تلوَ الآخرِ
امرأةً في رُ كْنِ الخيمةِ
والشَّمْسُ وَتَدْ
قوَّامونُ
وَمَنْسِيُّونَ
وَمُنْفَرِدُونَ على أيِّ عَددْ
والكونُ زَخارفُ مِنْ خَشَبٍ
يَتَمَشَّى فيهِ النَّحاتونَ
فَيُبْصرُ نَجْمٌ في قاع السَّاحةِ
ذاكرةً لِصُعودِ الجانْ
قوّامونَ
ونحنُ مَجاميعُ الماءِ
على رَمْلٍ في الحُجُراتِ الثكلى
ومراسيمُ جَنازةْ
وحظوظٌ للمَكْفوفين إذا ابْتَسَروا الأشياءَ
أمام الحائطِ
أوْ  نَزَلوا في بِركةِ ألوانْ

هل تَفْهَمُني يا بَحْرُ
وقد خَطَفَتْ قدمايَ ذُيولَ الشَّمسِ
وهل تَفْهَمُ لُغزَ السِّنارةِ
وهيَ تحاولُ أنْ تَتَخَطّى العشبَ
وقد هَيَّأتُ لها طَعمَ المعنى؟!
أمْ تُغمضُ قَوسَ الأشياءِ
وَتَنْسى في الجُمْلةِ ميلادَ الأشجانْ؟!

هل تفهمني يا بحرُ
أَوَّلْتُ الأَعْماقَ كثيراً
ونسيتُ المجرى ينقادُ إلى صِفةٍ
تتبعُ شاهدَها في التأويلِ
وتنسى أنَّ حدودَ البحرِ شواطئُ
تَخْضَرُّ قليلاً
حين يُؤَنِّثها شَجَرٌ عُريانْ

تَتَلَهَّى غيمةُ أَقْراني بيدي
وأنا عَطشانْ
مثلَ تَفَتُّتِ شَمْس حزيران
تَسْتلقي في منفى الكونِ قليلاً
قبلَ غُروبِ الرُّؤيا
فأُنَقِّيُها مِنْ لونٍ يَحْمَرُّ
وَيَصْفَرُّ على أُفُقٍ يَتَلَهَّى
والعَرّابونَ كثيرونٌ
ويَنْسَحبونَ إلى المقهى
فيُراعي حُرْمَةَ طاولتي النَّادلُ
كنتُ تأخَّرْتُ
وفي لغةٍ أخرى
كنتُ أحاولُ أنْ تمشي سَوْسَنةٌ
فوقَ الجدرانْ
              
لَمْ يَتَعِظِ السُّكانْ
لَمْ يَتَّعِظوا
حين أشاحَ النادلُ كُرْسيَّ المعنى
كُبِتوا
قال سَيُغضي رأسَ الشُّبْهَةِ
طِفلُ يَتَأَلّمُ
وإذا ما اتَّفَقَ النَّادلُ والطِّفلُ
يَجُوعا

كَمْ يَتأمّل هذا النَّادلُ
كَمْ يَتَّسع المقهى
كَمْ يَتَّسع الآنْ
قَلْبُ الرّيحِ
لِحَبَّةِ قمحٍ تَبْحَثُ عَنْ شَهوتها
ولِقَصْفَةِ تُوتٍ يَخْلَعُ سَوأتها الإنسانْ؟!
هذا ما كنتُ أُنَقِّبُ عَنْ جُرْأَتِهِ
في فَلَواتِ البَحثِ عَنِ الصُّورةِ
هذا ما كَفَّ الأرضَ عَنِ الدَّورانْ
عَدَّلَها، وَخَطا مُجْتَزِئاً صُورتَهُ
وسَعى بينَ رذاذِ الغيمةِ والصُّوانْ

والآنْ
عادَ إلى مائدةِ الأخضرِ مَرْهُوناً
لحقيقتهِ الأولى
فانتبهَ النَّادلُ للسَّوْسَنِ يَعْرُجُ مُنْفَرِدَاً
فوقَ الجدرانْ
والشَّاعرُ يَقْصُرُ عَنْ آيتهِ
إذ يفتق هذا المعنى
أو يسْتَأْنَس بالهجرانْ

هل هذا كَلأٌ، أمْ ماءْ   
أمْ آخرُ إيقاعٍ في حَقْلِ الأسْماءْ؟
تلكَ السَّوْسَنَةُ العَرْجاءْ
ضاربةُ المعنى في السَّاحةِ
ساحَتِنا اللّواحةِ
حاضِنَة الأرضِ
وقافية الشُّعراءْ

هل هذا كَلأٌ، أم ماءْ
أمْ وَطَنٌ يتباهى بالسُّفَراء؟
إذ ذَبَحوا نِصْفَ حِصانٍ في البريِّةِ
وانتبهوا  لِغُبار الصَّحراءْ
وأنا في السَّاحةِ
أَقْضي بعضَ الوقتِ
ولا يُرْهِبني عَدْوُ اللحظةِ
أوْ ما يُبنى في غُرَفِ الصُّدْفَةِ
حين يكونُ الإنسانُ طليقاً
في ثورةِ طوفانْ!!

الليلُ وَرَقْ
والنِّسْوةُ يَخْبزنَ رغيفَ الثَّورةِ
أُمّي
واحدةٌ
مِنْهُنَّ
وتَكْشِفُ عَنْ سيرتِها
والجارةُ أُمُّ صديقي
تَعْبَثُ بقلائَدَ مِنْ خَرَزٍ مَجْدولٍ أَزْرَقْ
والجارُ مِنَ المَحْظوظينَ
يعيشُ على عُكّازينِ
ويَبْني طابقَهُ في ملكوتِ الرّيحِ
وَيَهْزَأُ مِنْ ليلى حينَ تُديرُ المذْياعَ
على قُرْصٍ أَحْمَقْ
كي تَسْمَعَ زقزقةَ العاشقِ ليلاً
ويطولُ بها القاموسُ إلى حَرفٍ يتكَسَّرُ
تحت أنينِ الناي

أُمّي
واحدةٌ مِنْهُنَّ
وتَغْرَقُ في مانشيتِ الأخبارِ
ولا تقطعُ شارعَها لِسواي
تعرفُ لَحْمي
مِزَقَ الأحلامِ على ساحَتِنا اللّواحةْ
وندوبَ العَينِ على رُسْغي الأيسرْ
وتحاولُ
قلتُ تحاولُ جاهدةً أنْ تزرعَ
في قلبي بعضَ يقينٍ أخضرْ
تعرفُ في الظاهرِ أنَّ الأرضَ على مَهَلٍ
تَسْتَكْمِلُ ظلَّ خطايَ
وفي الباطنِ تقرأُ أشيائي
وكراريسَ النَّيْزَكِ في البحر الأبيضِ
والأسودِ
والأحمرْ
هل قلتُ تحاولُ جاهدةً
أمْ أنَّ يديها في شُغُلٍ تسترعي المَجْرى
للجريانْ

ذلك ما كانْ
فَتَحَتْ نافذةً للعرسِ
وأخرى لِشهودِ المَرْمَرْ
ذلك ما كانْ
أحياناً يَحْدُثُ                                                      
أو لا يَحْدُثُ في الجريانْ

قال المأمورُ بأَمْرِ الدّيكِ صَباحَ الخَلْوةِ
أنْ أَتَعَلَّقَ كالعُصْفورِ على سِلْكِ الرَّغْبَةِ
يَحْدُثُ ذلكَ
في الظُّهْرِ
وقبلَ المغربِ
لكنْ بعدَ نهارٍ مَكْسُوٍّ بالأحلامْ
لا يخضعُ مثلي لغوايتهِ في النَّومِ
ولا يَحْدُثُ أيضاً
أوْ قدْ يَحْدُثُ في الجَرَيان
أنْ أَتَعَلَّقَ كالعُصْفورِ بِقَشَّةِ أَوْهامْ
ولهذا يَحْدُثُ
أو لا يَحْدُثُ
أنْ تَنْكَشِفَ الرُّؤيا
كالموجةِ في جَسَدِ القَاربْ
فأُغالِبُ صَقْرَين طَريدينِ مِنَ الشَّمسِ
وأَنْهَرُ جِنِّيَّ الماءِ
لِيَسْقُطَ عَفْوَ الخاطِرِ
كالعُصْفورِ المنتوفِ الرِّيشِ
وقدْ أَخَذَتْهُ العِزَّةُ
أنْ يَتَعَلَّقَ بالأَزْلامْ

ذلكَ ما كنتُ جَنَيْتُ مِنَ المنفى
في حاضرِ منفاي
ذلكَ ما صَنَعَ الإيقاعُ
بِصَقْرَين طَريدينِ حَيّينِ
ولكنَّ العُصفورَ تَأَخَّرَ عَنْ مَوعِدهِ
في الطَّيرانِ
فغالَبَهُ الشَّوْقُ إلى حَبَّةِ قمحٍ
في شَجَرٍ أعلى مِنْ ريح الموتى
ذلكَ ما كنتُ أقاربْ
بينَ العُصْفور الطَّائرِ
والصَّقْرِ الهاربْ
لكنَّ البَيْضَةَ في العُشِّ الآخرِ
يومَ اهْتَرَأَتْ، فَقَسَتْ
فاسْتَخْرَجَ منها الدّيكُ حِصانينِ
ومَعْقوفينِ مِنَ الرَّقبةِ

شاهَتْ كلُّ مراثي الشِّعرِ إذنْ
فأقيموا الحرفَ مَطِيَّةَ يومينِ جَريحينِ
ومَثْقوبينِ مِنَ الحَدَبَةْ
لِينزَّ عوارُ الفارسِ في الليلِ قليلاً
وقليلاً
إذ يَبني مِنْ أشجارِ غوايتهِ اسْمَينِ
ويمشي
ويدبُّ على أرضٍ تتشهَّى
حَبَّةَ مِسْكٍ في نيسانْ


هل يَنْكَسِرُ  الطّينُ إذنْ
هذا الطّينُ ببابِ الفَزْعةِ
بابِ الجيرانِ على أيِّ مسَلَّةْ
أمْ يمشي لِيُقشّرَ لوْحتَهُ ذات غوى؟!
هل يبدأُ مِنْ سِلْسِلَةِ الظَّهْرِ
أمِ العينينِ
ويأوي في آخر مشوارٍ للرَّأسِ المشغولِ بِدِقَّةْ؟!
هل يُنْجِزُ رحلتهُ في المتوسطِ
عندَ حروفِ العِلَّةِ
أمْ يُنهي دورتَهُ في التَّشْكيل المَقْرونِ
بِخَطِّ الكُوفةِ في لوحةِ رَسَّامٍ
عندَ حدودِ الرّيحِ؟!

هل يَنْكَسِرُ الطّينُ
وينسى صُورتَهُ في كلِّ مَجازٍ
ثُمّ يُضارِعُ دُودَ الأرضِ العُرْيانْ؟
ذلك ما كانْ
وتَوافَقَ أنْ أَرْسِلَ رايتَهُ الأولى
لِحَريرٍ  قُدَّ مِنَ العُشْبِ الذَّبلانْ!!

هل عَرَجَ النَّصُّ إلى الشُّطآن
وتباهى أنَّ مُظاهرةً في الشّارعِ
خاطَتْ كلَّ زوابِعِها للنّسيانْ!
ذلكَ ما كانْ
منذُ رأى حَبَّةَ قمحٍ غابرةً في الأرضِ
وخلفَ القُضْبانْ!!


إرسال تعليق

حقوق النشر © موقع أحمد الخطيب جميع الحقوق محفوظة
x