قميصُ الأَثَر



تَعَطَّشَ للنَّهرِ
لَمَّا رأى الحُسْنَ يَفلتُ مِنْ رَجْفَةٍ
في الثّيابِ
ويأوي إلى حالِهِ
خائِفا

تَعَطَّشَ أكثرَ لَمَّا أَشَاحَ عَنِ الماءِ
يركضُ في داخلي
قلتُ عنّي
فأَوْصَلَني للمُيولِ الأخيرِ
بأرضِ المتاهةِ
كانت تُراقبُ شَعْثَ يديها الغوايةُ
حتّى إذا أَمْطَرَ الحُسْنُ فيها الخُضوعَ
تَعَلَّلَ حولي الشًّجرْ
غيرَ أنَّ انقلابَ المرايا
يُعيدُ اتِّصالَ الفَواصلِ
بين التي أَفْلَتَتْ عُريَها باتِّجاهِ المطرْ
وبين انسلاخِ الفتى عَنْ ظُنونِ الغوايةِ:
كُوني على الأرض جِذْعاً مِنَ النَّارِ
لا تَصْفحي عَنْ ولوجي إلى لُجَجِ الطّينِ
سَرْدي أنا واقفٌ
وانكشافي على النُّورِ شيءٌ
يظلُّ هُنا واقِفا

ولكنَّها عَبَّأَتْهُ بأنفاسِهِ
فاسْتدارَ إلى النَّهرِ
خَضَّ النَّوايا بأمراضِ هذي الشَّواطئِ
حتى إذا أَدْرَكَتْهُ مُغَطّى بأحلامِهِ
هَيَّأَتْ فُرْصَةً للحنينِ
وعادتْ إلى النَّهْرِ
لكنَّهُ لَمْ يَعُدْ مثلما كانَ رُوحاً
تُطارِدُها شَهْوُة الحُلْمِ فاصْطادَها
مُتْرَفَاً بالحنينِ إلى صُورة الماءِ
وانْصاعَ، ثُمَّ اسْتوى فوق لَحْنِ
بداوتِهِ عازِفا

ولَمْ ترَ ريحُ الحديثِ سِواهُ على البَرِّ
أَهْلَكَ، أوْ أنْحَلَ الجِسْمَ
لَمّا أَطَلَّ مِنَ الماءِ
شَرَّ عَنِ العابرينَ الخفايا
وأَوْجَزَ صَبَّارَهُ في الأكُفّ التي شَقْشَقَتها الفُصولُ
ولَمْ تَرَ ريحُ الحديثِ سِواهُ
هُنا راجِفا
وأَلْجَمَهُ النَّهْرُ
لا غفلةً عَنْ شُهودِ الكناري
يغوصُ بميزانِهِ الْمُستقيمِ
لدائرةِ العُشِّ
أوْ مثلَ ما قال لي حارسٌ
في الفناءِ الأخيرِ ستركضُ نحو يدينِ
هُلاميتينِ مِنَ الرّيح
أوْ مثلَ ما قصّرَ الملحُ عَنكَ
وأنتَ تَجوزُ الطَّعام إلى جَبْهَةٍ
غيرِ مألوفةٍ للحياةِ
وتمنحُ تلك السَّواقي
صَلاةً تَعَلَّلَ فيها الهواءُ الذي أبْرَدَ الجِسْمَ
واصْطَكَ قُرْبَ يديهِ
وأَوجَزَ لي كُلَّهُ في دقائقَ مَعدودةٍ
في المَمَرْ...
وذلك أنَّ الشُّهودَ يتامى
وأنَّ يَدَ الموجِ ألْحَنُ مِمَّا يظنُّ
ومِمَّا يُرى في قميصِ الأَثَرْ
سَأَقْلبُ هذي المشاهدَ
حتّى أرى واحِداً مِثلَهُ واجِفا
مِثلَ هذا الجَحيمِ الذي أرْضَعَ  الأرضَ
كأسَ التَّشظّي
وأَقْلبُ سَطْرَ الوجودِ
وصَدرَ البراري
لأَكْشِفَ أكثر مِمَّا يظنّ الغريبُ
أنا لستُ طارئْ
ولستُ أَغبُّ مِنَ النَّجْمِ ضُوءً
لأَسْطَعَ أكثرَ
أوْ أنتهي عندَ سَرْدِ الشَّواطئْ
سَأَقْلِبُ هذي الموانئْ
لأَهْجُرَ نَهْرَ الطُّيورٍ 
ومثلي يطيرُ إلى الغَرْبِ مِنْ ضِفَّةِ القلبِ
هذا الذي أَوْسَدَ الليلَ أحلامَهُ
والكناري طرائقَهُ بالغناءِ المؤجَّلِ
أوْ قدْ أُغنّي لَهُ:
يا خُطى أُثقِلَتْ بالحنينِ
إلى شَجَرٍ ثابِتٍ
لا يُطَأْطِئُ حين تَمُرُّ الرّياحُ
على وَعْلِ هذي الخُطوبِ
وحين يَظَلُّ كمرآتِنا في شظايا الحُروبِ
إذنْ سَلْسِلي ما بَدَا لك مِنْ جِسْرِ هذا الهباءِ
ولا  تأخُذيني إلى الرُّوحِ جِسْماً 
لأَلْحَقَ بي
أو بِما عَدَّلَ الليلَ عَنْ نَهْرِهِ
أو خَطا مثلَ قُرْصِ النَّهارِ إلى ظِلِّهِ
واتْرُكيني
على غيرِ ما عادةٍ نازِفا

سَأَقْلِبُ هذي المشاهدَ
حتّى إذا آجَرَ الوقتُ نِصْفي
وأَعْطَشَني عاصِفا
تركْتُ ذيولَ التَّوَجّسِ خلْفي
وأَلْحَقْتُ ريحَ الحديثِ بأَسْمائها
وانْكَفَأْتُ
على غيرِ ما عادةٍ_ أيُّها الطَّائشونَ على شِبْرِ
ماءٍ_
هُنا
مثلَ قوْلي
هنا زاحِفا

وَعُدْتُ إلى النَّارِ
أحْصي الدَّقائقَ مَرْهُونةً
هل أُساوِمُ
أمْ أَنْضوي تحت سَقْفِ الحقيقةِ
جِئْتُ على غيرِ رُوحٍ
فأَيْقَظَني النُّورُ مِنْ رَغوةٍ
عاصِفا 


إرسال تعليق

حقوق النشر © موقع أحمد الخطيب جميع الحقوق محفوظة
x