أشجار الحقيقة



ناثراً حطبَ البلادِ
على قياس الريحِ
يأخذُ من غيوم الوقتِ منزلَهُ
ويستعصي على النسيانْ
هو ذلك الإنسان
ومِداد أشجار الحقيقةِ
والوصول إلى الفضاءِ الحرِّ 
في تغريبةِ الأزمانْ

لا شيءَ يُربِكُهُ
اللغاتُ
وقيمةُ المعنى على حدِّ القصيدةِ
والشّعورُ بخامةِ العصيانْ
إدمانُهُ رقيا لروح الحرفِ
يفتحُ في الولوج إلى الطبيعةِ
مِفْصلاً في باطنِ الأشياءِ
ثمَّ يعيدُ أنسنة المكانْ
هو ذلك الإنسانْ

منذ انتباهِ الصمتِ في حجراتِ مولودٍ
تربّى تحت نافذةٍ من النسيانْ
هو لا يعيدُ صياغة الماضي
ولكنْ ينضوي ليسوّرَ الصحراءَ
والبلدَ القتيلَ بريشةِ الفنّانْ
ويقيمَ حدَّ الجرعة الأولى من الإدمانْ
مبناهُ سلسلةٌ من الحُجراتِ والأحجارِ
يضربُ بالقصيدةِ قلبها الملفوحَ بالعنّابِ
والضوءِ المدثَّرِ بالصلاةِ على الرّهانْ
ويقيمُ أمرَ العابرين حقولَ سهلٍ في المخيمِ
والنّواطير التي انتظرتْ قدومَ السّيل
تحتَ غزارةِ القتلى
وتحت جريرة الرّعيانْ
هو ذلك الإنسانْ

وسهولةُ الحرثِ
البلادُ كأنّها مرضيّة ترضى
بفوضى الصمتِ
تسلبُ سهمنا من سيرةِ الطغيانْ
يبني من الدّمع الشّهيِّ مصاعداً للغيبِ
أو يمضي بآخرِ آيةٍ
ليضجَّ في أسطورة التكوينِ
إيقاع الفتى
ويرى بلادَ السنديانْ
وكذلك الإنسانْ

ما أبطأَ التاريخَ حين يزور في المشفى
علاماتِ تشعشعُ بالبياضِ
وتنتهي بالحبرِ مرشوقاً
على ورقٍ من السُّلوفانْ
ما أبطأ المرضى
وهم في الأرضِ يحتفلونَ بالفوضى
وينسحبونَ من مصلِ القصيدةِ
لا يراعونَ القبيلةَ تختفي
من رجفة الأجفانْ
ما أبطأ الأجفانْ

المائلاتُ ببابِ نهر الوادِ
يسألنَ الفريسةَ عن قليل الصمتِ
في ياقوتةٍ حمراءَ
أو عودٍ يجلِّلهُ الضبابُ
أنا السّحابُ الحرُّ أنظرُ في الضحى
لأميزَ بين قبيلتينِ
ورقصتينِ
وأغنيةْ
ما أبطأ السّيْرَ الأخيرَ على حبال الأمنيةْ
هي أوعيةْ
وأنا كذلكَ أشتري حدْساً
لأمضي في القصيدةِ دونما إذعانْ

وسلختُ أرضي عن صياصي الموتِ
أرّقتُ المهاجع كلّها
ونَصَبْتُ رأسي في البراري
واختزلتُ حقيقة الرّومانْ
لأعيد تكويرَ الأجنّةِ
ثمَّ أجلو معدنَ الشجرِ القديم
وأرتقي مع زهرة الرُّمانْ
وسلختُ أرضي عن مقايضةِ السنابلِ
واللجوءِ إلى المُعسكرِ
قلتُ أرسلُ بعض أوراقي إلى المنفى
وأستجدي فراغاتِ القصيدةِ حيثما
وَرَدَ الكلامُ على اللسانْ
ليحيكَ أنسجة الفصاحةِ في الرّمايةِ
بعد تقطير الندى في سلّة الحرمانْ

بيني وبين الموتِ أسرارٌ مؤجّلةٌ
وطيرٌ عاشقٌ
ويدانِ مُسبلتانِ
ضرعٌ ناشفٌ
وحقيقةٌ هجعتْ على فزّاعةٍ الجيرانْ
بيني وبين الأرضِ ألفُ نعامةٍ
والرّملُ جيشٌ يعقدُ الحبلَ المعقّدَ
في حصون المهرجانْ
وأنا ألوذ بكأس قافيتي النبيلةِ
أرتوي من صيحة الأطفالِ يعتمرونَ
شارعنا الصغيرَ
وهمْ يغذّونَ القصيدةَ
لا مدارسَ
لا  مضاجعَ في البيوتِ
ولا ملاعبَ
لا قصائد للطيورِ
ولا جدالَ
ولا قِرانْ

ما أبطأ الطوفانْ
لكنّهُ يمشي إلى حَجَرٍ
ويقرأ سورة الألوانْ
هو ذلك الإنسانْ

الجرحُ والبلدُ الذي شاختْ على أسبابهِ الرّهبانْ
أهزوجتانِ
وتنفلانِ
تردّدانِ ضحى دمي
مرآتُهُ الشهداءُ، والشهداءُ، والشهداءُ
إنّا قادمانْ
الموتُ والإنسانْ...


إرسال تعليق

حقوق النشر © موقع أحمد الخطيب جميع الحقوق محفوظة
x