أرابيوس *


                   -1-
هيَ حكمةٌ
والليلُ من طبقٍ إلى طبقٍ يسيلُ
هي حكمةٌ
ومناخُ شاعرها الدليلُ

وتنوءُ أفرانٌ من الشمسِ التي
فقأتْ بباب المسرحِ الغربيِّ أقلاماً
لتحصي جمرها عدداً
ويرقم ظلّها القنديلُ

هيَ حكمةٌ
نقشَ الزمانُ على ثياب الوقتِ غُرّتها
وطيّرَ سربها المنديلُ

ما بين أضلاع الحياةِ تكوّرَ المنفى
ودمدمَ بالخطى
فدعا إليهِ العادياتِ
وكان منشغلاً بترميمِ الحكايةِ
خلف هذا الرسمِ
قوّسَ حاجبَ الليلِ
انتهى لقصيدةٍ أخرى
ولَمْ أجدِ الفتى عندي
وعندكَ
غير أنَّ الماءَ يا " أرابيوس "
 كان منشغلاً بترتيبِ النجوم على هداها
كي يمرَّ الحبُّ تحت رهانِ هذا العُمرِ
طاحتْ بالقميصِ مخدّةُ الذكرى
وسيَّرَ رمحها الولدُ النحيلُ
في كلِّ منقطعٍ عن الدّنيا
رأيتُ العالمينَ يقطِّعونَ الوردَ
ينحرفونَ عن بيتِ الهواءِ
ويمضغونَ الصبر بالنوم الثقيلِ
فيا أرابيوس:
هل ذوى حَجَرٌ على باب القصيدةِ
حين ألهمكَ المكانُ رياشَ ذاكرةٍ
فقلتَ: كما تعيشُ الآنَ
كنتُ أنا أذوِّبُ في الضحى امرأةً
وأعشقُها
ويعشقُها السبيلُ؟!

للهِ ما عتبي على زمني
ولكنْ طاف حول الموتِ سُكَّرُنا القليلُ
فأذبنهُ ليلاً بناتُ الحورِ
حين نسلتُ من صوف التوحّدِ
جسمَ امرأةِ الزمانِ على المُدرَّج
وانتهيتُ إلى رخامٍ أبيض المعنى
وعاجلني الحلولُ

هيَ حكمةٌ
نيشانُ هذا الانفتاحِ على الأرائكِ
قال معتصماً بماء الكونِ
هذا النّردُ يوقعُ ثُلّةً من صائدي الإيقاعِ
يعرفُ أنّ فينوس افتراقُ الريحِ عن سهمي
ويعرفُ أنَّ غايتها الوصولُ

تموزُ وردةُ نهدها
وهيَ الخصوبةُ
إنْ رعى فِقهَ الجمالِ الحبُّ في إيقاعها
تمشي إلى سكّانها
وإذا تأخّر ثوبُ مرآة الرّخامِ
عن الزفافِ
تنهّدَ المطرُ
تمشي إلى أسرارها العِبَرُ
وتنامُ لو خيَّرتها في العالَمِ السُّفليِّ
أو يمشي إلى فقهِ القصيدةِ
شاعرُ المعنى الجميلُ

               -2-
من مفردات الخصبِ يا أرابيوس
أنّكَ الماشي إلى قَمَرٍ مُدلّى خلسةً
خلفَ النجومِ
ومنتمٍ لحقيقةٍ أخرى
وملموماً إلى البازلتِ
تعمُرُ منجزاتِ الشرقِ بالقلقِ
هنا البازلتُ في كلِّ الحواضرِ ناطقٌ
عن جُبّةٍ في البدوِ
عن سيلانِ هذا الرسمِ
عن نَمَطٍ من الشعر الذي قَمَرَ الأغاني
وهنا الغبارُ الأرجواني
وهنا جيوشٌ تحرثُ العقلَ المقنَّنَ بالمعاني
فامنحْ يديكَ سلالتي
وامنحْ يديَّ سلالة الفتح اليماني
لترَ التداخلَ في الشعيراتِ التي تنمو
على الحدقاتِ في الغرقِ 
ملمومةَ الطُّرقِ

من مفردات الخصبِ يا أرابيوس
أنّكَ الملمومُ في مِلَلٍ تطاولَ سيفُها
عن قامةِ الشّفقِ
سِبْحاً إلى طينِ التماثيل التي قفزتْ من الأسماءِ
حين ترحّلَ المعنى على الورقِ  
هو البازلتُ يُبنى في مخيلةٍ من العَرَقِ

                 -3-
يا أيُّها المارُّ الذي في غيبةٍ يُمحى
أقمْ حصناً
ودوِّنْ في الضّحى ملحا
وعيِّنْ شارةً للجرحِ في طرقاتِ مذبحةٍ
وهاتِفْ بعد لأي الوقتِ
_ ما يُوحى _
دماءً في مراياها
وما من جملةٍ تسعى إلى الذبحِ

                 -4-
هنا تركَ المُحبُّ على الدّرجْ
شيئاً من الماضي
وغيّرَ لونَ بابِ العُمرِ
قال: سندفعُ الميعادَ
للساقِ التي التفّتْ على المعنى
ومعنى سيرتي بوحُ التداعي
في جزيئات الفرجْ
وهنا تكوّمَ في الترابِ دمٌ
ولاح لهُ الوهجْ
وهجُ النزوحِ أمام بطليموس
وأمامَ باديةِ الحرجْ

                 -5-
أرابيوس إذا جئتُ وحدي
فكيف يكونُ الحوارُ معكْ
- أسمعكْ
ترجفُ الكاميرا
ثمَّ تصطادُ شيئاً قريباً من الوعي
يهتفُ غيمُ المصوِّرِ
أنَّ الرياحَ ملائكةٌ، فاستقمْ
- أسمعكْ
- هل ترى مُدناً يغرقُ الحبُّ فيها
وفينوس ساكنةٌ في خلايا البنفسجِ
تقسمُ الآنَ أنَّ عاشقها...
- أسمعكْ
- فارسمْ إذن حكمتكْ
وادخل القوسَ في عالَمٍ لا يريهمْ دمي
وادخلِ النورَ مع كلّ نافورةٍ
واسحبِ الطينَ نحوي
لأعرفَ نحوي معكْ

- أنا من لدنْ دمعة الحزنِ
هذا غناءُ أبي حين لَمَّ شتاتي
وباعد بيني وبين العيونْ
- كي تكون
- وصاحبَ ظلي 
- لأرى النارَ في الزيزفون
- وعاندني قوسُ هذي الحياةِ
- لأنّكَ جاهدتَ أن لا تكون
- وزوّجني الطيرُ للأمَهات
- كذلك أنتَ إذا لَمْ تجد ما تخون!!
ذهبتَ إلى ظلِّ نفْسكَ
حتى ترى ملمحَ الذاتِ ضبحا
على مرمرٍ من زجاجٍ تدلّى
فغافلكَ العمرُ
أو غيّرَ الطينَ شكلُّ الحداثةِ
فاعلمْ بأنَّ دمي واحدٌ
لو  تفسّخَ عينُ الحقيقةِ يبقى
نبيذ الغيومِ التي لا تخونْ
- أنا جئتُكَ الآنَ طوعاً
فدعْ كلَّ شيءٍ يُريبُكَ خلفي
- لهذا على العينِ أن لا تبارح سيفي
- وجئتكَ حتى تبيّضَ كفّي
لا أن ترقّصَ ضعفي
- فكنْ طافحاً بالحنينِ المُصفّى،!
أرابيوس ببيتٍ من الشعرِ علّمتني
أنَّ بابَ الحياةِ على برزخٍ الصمتِ
منفى!!!
________
* أرابيوس شاعر يوناني مواليد مدينة أم قيس "جدارا" في الأردن 


إرسال تعليق

حقوق النشر © موقع أحمد الخطيب جميع الحقوق محفوظة
x