بعد غيبةِ وَردْ




ولها إذا نَزَعَ الفؤادُ إلى الحنينِ
بأنْ تُقدِّمَ لي
وشايتها عن الليلِ
ولها إذا ما سَوْسَنَ الماضي
بأنْ تختارَ مِنْ سُبُلي وشايتَها
وأنْ تمضي إلى غُرَفٍ مُبَلَّلةٍ
كأنَّ غوايتي
أنْ أحتفي مَعَها
على بَصارةٍ في الليلِ
تعقدُ غيمةَ الأحلامِ بالحبلِ
وتنثرُها على دَرَج البيوتِ
كَسبحةِ سائسِ الخيلِ
لأبقى واحداً
ولها يجنُّ الدّيكُ مِنْ سروالها قَدَراً
وينأى
الشَّارعُ
المعقوفُ كالأفعى
ويندُرُ أنْ تُظَلّلَني مِنَ السَّيْلِ

سأُعطيها مراياها
وأحملُ سَلَّةَ الذكرى
إلى قبرٍ فسيحٍ في المدينةِ
خلفَ نار الوجدْ

سأُعطيها مناديلي
لِتَحْكُمَ سيرتي بالرَّعدْ

سأُعطيها حُضوراً ناقِصاً 
في الوعدْ
وأرجعُ
مِنْ صَلاتي
نحو مغفرةٍ
وأشهدُ أنني قد خُنتُ نِصْفَ الورد

سأُعطيها
لتعرفَ أنني ما خُنْتُ بعد رحيلها
كفناً توارى
ثُمَّ لَمْ أَعرفْ طريقي
بعد غيبةِ وردْ   

ولحمصَ معنى
غير ما تصِفُ القصائدُ
مِنْ جنونٍ قابعٍ في رأسِ هذا السِّنديانْ
وكأنَّها لَمَّا أُباري الرّيحَ
أو أُنْشي لها قلبي
ويخضرُّ النَّدى في حَيرتي
تغفو على كتفِ الثرى عينان

مِنْ أجلها
مِنْ أجلِ هذا الأرجوان
وكأنَّ حمصَ
فراغُ عُمْرٍ جَدَّ عن وَصْلٍ
وأرهقَهُ تَجاورُ أفعوانْ
معْ طينِ هذا السَّردِ
وهْوَ يرى قلادتهُ
على رَحِم الهوى تهوي
على صدرٍ ضريرٍ لَمْ يكنْ يدري
بأنّ الموتَ بالمجانْ

هل كان مخموراً
أَمِ الزُّلفى حَمامٌ زاجلٌ
في قبضةِ الرّيحِ؟
وهل كان الفتى يجري إلى سَقْطِ الخريفِ
ولم يرَ لِصفاتها أثراً مِنَ الشِّيحِ؟
أمْ كان يشرحُ غيمةً لِصلاتهِ
وهوَ ابتداعٌ في المسرَّةْ
لَمْ يدرِ ما خبْط الغيابِ على المجرَّةْ!!
فغدا كمثلِ شرارةٍ يسعى
إلى بطحاءِ غيرتهِ
ولَمْ يأنسْ لذاك الخَيْطِ يمسحُ
في الثرى أثرَهْ!

يا نارُ لا تتدحرجي
عن ذلك اليوم الغريبِ
لقد أتيتُ العُشْبَ لوَّاماً
ومسترِقاً خطى نفْسي
إلى جَسَدٍ غريبٍ طائرٍ في السِّكةِ العمياء
لا قبلي
ولا بعدي

يا نارُ سوف أظلُّ مَهْما سوَّلتْ هذي المرايا
للحنايا
رَهنَ أشيائي العزيزةِ
وانزواء الحدْس عن وجعٍ خفيٍّ
لا عليَّ
سِوى أنْ أُخْرِجَ الكابوسَ مِنْ جسدي     
لتهدأَ مُغرياتُ الحلْمِ
فيما كنتُ أستعصي على النِّسيانِ
أبذرُ قُرْبَ جُثَّتها سؤالي: 
كيف تخضرُّ؟
والليلُ أصبحَ حارسي
والأرجوانُ تسلَّحتْ أحزانُهُ
والموتُ أصبحَ في مداري
محضَ ترياقٍ ومسْغَبَةٍ
ومأوى للجمالِ على ضفافِ الصمتِ:
كنْ يا صمتُ أُمِّيَّاً
بليغاً في صدى 
ما صارَ يصفرُّ

مُتضمِّخٌ بالأرجوانِ نزيفُ أيامي
ولا وَرْدٌ
أواري في ثناياها
جيوشي
عنْ مصافحةِ الدّيوكِ
إذا تجشّأتُ الشَّرابَ
هِيَ التي كانت تُعبّئني بمحضِ إرادتي
وتقولُ: كُنْ يا ديكُ وحدَكَ قاتلي
لا مُنقذي

والآنَ بعد ضلالتي
وحصارِ هذا الموتِ في الطُّرقاتِ
مَنْ يسترجعُ القنطارَ في صكِّ السَّماحِ
ومَنْ يُداري جُبَّتي مِنْ لَحْدِ
هذي الأرضِ
مَنْ؟
ويُعيدُ لي ثقتي بأنّي
لَمْ أكنْ أسعى إلى رمح الغُرابِ
ولَمْ أكنْ ديكاً على وَرْدٍ
ولكنْ خصَّني المعنى وحيداً
ثُمَّ قطَّرني وطارْ
لأظلَّ مثل يدٍ تعرَّقَ رمحُها
وهيَ التي لَمْ تبتدعْ جسراً تحطّمَ
واستوى في الأرضِ
كان الحبُّ أشبهَ ما يكونُ غمامةً
تُخفي تراتيلَ النهارْ
والسَّالكونَ إلى طريقي
كالحونَ
وغامضونَ
يُصوِّبونَ عصيَّهم
ويمارسونَ غوايةَ أولى

ما كان يقدِرُ أنْ يُلوِّح للحقيقةِ عينها
ويرى سريرتَهُ على صَبّارها
تمضي إلى مضغِ الخيانةِ
معْ غلامٍ يَسْتَشِرُّ الماءُ في عينيهِ
جلجلةً
ووعياً لا شبيهَ لهُ
وهوَ الذي لَمْ يجترحْ للرّيحِ
مَوْطِنَ غايةٍ
فيما تُعاركُهُ الخطى
ما كان ينصتُ للهديلِ
على تماثيلِ الصَّبابةِ
كان أَشْبَهَ بانحدار القوسِ عن ظَهْرِ الغريبِ
أمامَ زحزحةِ الحقيقةِ عن مداها
كان منسوباً إلى دَمِهِ
وشعشعةِ
العُيونِ
وقد جرى فيها نصيبٌ مِنْ غُبارِ العالقينَ
على الحكايةِ
لَمْ يشأْ يُصغي إلى دَمِها
ولا سَرْدُ الروايةِ كان منشوراً
على ريقٍ الوشايةِ حين شَذَّ عن الصوابِ
ولَمْ يفِقْ مِنْ غفلةِ المعنى
وما بَرَدَتْ عظامٌ في مرابِطها
ولَمْ يجزعْ لها
ولَهُ
واسْتَكْبَرَ الخَفَقان
عاد مِنَ الوشايةِ فاطراً حِلَقِ الجنونِ
إلى خيامٍ غير ذي وتدٍ
وزرعٍ ناقصٍ
وأبى
وأتى على نَبْعٍ تُجرِّدُهُ العذارى
مِنْ سؤال الشَّكِّ: هل حَذَفَتْ صراطي
واستقامتْ في المتاهةِ
كُنْهَ هذا الانحدارْ؟

كَمْ كَفَّ عن صهواتهِا الماضونَ
نحو صَلاتها        
ليبرَّها
لكنَّهُ أفضى إلى غليونهِ، وأبى
فاستكثرَ المعنى الذي آلتْ لَهُ
لَمْ يدرِ كَمْ مرَّتْ عليهِ وساوسٌ
فتجنَّبَ الرؤيا التي علِقتْ على أصدائها
وَمُزَمَّلاً مرَّ الغيابُ
- كأنّهُ أُخضورةُ الأمسِ القريبِ-   
على ديارٍ أفسحتْ لجنونهِ مأوى التَّرَمُّلِ
بالنزوع إلى جبينِ المارقينَ
على خطاهُ
ولَمْ يكنْ ليُصيبَهُ الإيقاعُ بالضَّرَرِ الأخيرِ
على هوامشَ: كان لي صدأٌ  
هُنا يمشي إلى أسمائها
لَمْ يدرِ ما اقتبستْ عفاريتُ الحياةِ
ولا الأراملُ
والسَّكارى
والنِّساءُ العارياتُ، الناشطاتُ
الماشطاتُ
المُوغلاتُ إلى الجُموح المُرِّ
في قلبٍ تشابهتِ الغيومُ عليهِ
أوْ حَضَرَتْ لتثقبَ ما تهدَّلَ مِنْ زجاجِ بلائها
وأنا حَضَرْتُ لترشَحَ الأسماءُ
عن رؤيايَ في خضِّ المهيضِ مِنَ الجُموحِ
وكنتُ عَدَّلْتُ القميصَ على يدي
لا شيءَ في هذا الحصارِ
أتيتُ مِنْ أعلى إلى بحرٍ خفيضٍ
لا يُناسبُ حكمتي
في شَدِّ أوتارِ الكلام على فنونِ وفائها
وأتيتُ مِنْ أعلى
إلى سَبَبٍ يكادُ يُضيءُ
-        مِنْ فَرْطِ الحنينِ على يديهِ
إلى تُخومِ الحُبِّ-
مرسى غفلتي عن دائها

إرسال تعليق

حقوق النشر © موقع أحمد الخطيب جميع الحقوق محفوظة
x