حصان الشنفرى


حصان الشنفرى


أخي الشنفرى
إنّ النشيد لَمُبتلى
من الناس لو عزَّ الندى بثيابهِ
وإني أخو سلمى
وإنْ طابَ موتهُ
لباقٍ على صدر الندى بكتابهِ
كأنّ الندى في الكأس
إنْ يكُ يائساً
يغوص بأبهى الشعر
عند غيابه
على حدّ سيفٍ بالمؤمّل ما أرى
من الشعر ما يغزو الفتى بسحابهِ
المديحُ‏ غبارُ الردى في الندى‏
منذ قافيةِ الشعر‏ِ
حين تطلُّ المرايا من الخوفِ‏
أو حين تبكي المرايا دليلَهْ‏
ويْكأني
أطوفُ على وحدتي‏
يا أنا
من هنا  
والمرايا عليلَةْ‏   

قبل نومي على ساعدي‏
واحتوائي جنون أخي
كنتُ أندبُ بوحي
ليسْحَنَ أطيافَهُ
قربَ بابٍ يطلُّ على عكبرى*
قبل نومي
وكان هنا الشنفرى
مثل قلبي
ويكتبُ أشعارهُ
من لدن خمرة الموتِ
كنتُ أعدُّ له من مرايا وجودي
بدايتَهُ في الطريق الطويلَةْ

لا يدي في مكاني‏
ولا غاية في وسيلةْ‏  
سوف أتبعُ ما قد أرى‏
من خيول الكلامِ
وقد حنّط الموتُ أنسابَهُ
وخيولَهْ‏

لا يدي في مكاني‏
ولا في مكان القبيلةِ خيلٌ‏
تردُّ إلى الشنفرى‏
حين يخبو الندى في الربابة‏ِِ
غيماً تعدّى بلا أيِّ معنى هطولَهْ ‏

لا يدي في مكاني‏
ولا باب أمي يطلُّ على ثورة الشكِّ
لستُ أنا في أنا‏
حين نام القتيلُ على بابها‏
واجتباني‏
لأحمل سيفَ القبيلَةْ‏‏

ليس يكفي حصانٌ‏
لكي تُشغلَ الأرضُ عن إبنها‏
وأنا خارج النصِّ أرمي سهاماً‏
لأبلغ جمجمة الموتِ في القبرِ‏
ليس غداً أمرُ أمري‏
ولكنهُ في السطور القليلَةْ‏  
ليس يكفي حصانٌ
لأتبع قافية الشعر في الشنفرى
أو أغادرَ موتي على طائرٍٍ
كان يسكنُ عشّي
وفي سلّتي زمنٌ مرهقٌ
غادر النثرُ فيهِ رسولَهْ

هوذا
يتبعُ الشعرَ فيَّ أنا‏
فوق خيل الصعاليكِ
يأتي إليهِ الندى‏ بالرحيل
يعدُّ له من فصولي فصولَهْ‏

أيْ أنا‏
أيْ سطوعي الأخيرُ
وثأري من الأزدِ  في المعركةْ‏
أيْ وجودي على غيمة‏ٍٍ
خلَّ نومي بأشراطها‏
حين نام أخي الشنفرى‏
لكأنَّ القصيدة تسعى إلى الماء‏
سيفي إلى غابةٍ حرةٍ‏
كان فيها الهواءُ سليلَ همومي‏
وكان يعطِّلُ في المنزلاتِ صليلَهْ‏

وَنَحَيْتُ إلى حالةٍ في ضواحي بغداد
أرعى مراميلَ* بيت العشيرةِ
خوفاً من الخوفِ
لا مُسْفِراً عن وجود النوى في الندى
وَنَحَيْتُ إلى بردى
كان مثلي
يطوفُ على خصرِ هذي القصيدةِ
وهي تعزُّ على نفْسها بالندى
مثلَ ريحٍ كسولَةْ

لَمْ يبعْ طائراً‏
لَمْ يبعْ صورةً لا إطارَ لها‏
لَمْ يبعْ غصة الشعر في ناي أطفالهِ‏
في مرايا القصيدةِ
وهي تعزُّ على نفْسها‏
في رثاء أخي الشنفرى‏

وأخي الشنفرى‏
طاردتهُ القُرى‏
وأنا سيدُ الشعر‏
نارُ الخيالِ 
وبرقية الشمس فيما أرى

وأخي الشنفرى‏
يجمعُ الشعرَ
والموتَ في جبّة الخلق‏
شمسَ الصعاليكِ
أسفارَهم في أنا‏
وأخي الشنفرى‏
شاعرٌ خاض قبلي بدايتهُ‏
مدَّ حقلاً من البوح في السنبلةْ‏  
خفَّ مثلَ القصيدة نحوي‏
ولَمَّا تطأْ نفْسَها الأرضُ
في القهقرى‏

وأخي الشنفرى‏
يشهدُ الأرضَ كيف تسوّي
بديلهْ.‏  

بعد فجر "ضحى أبدين مريضين"* ‏
ماذا يساقط كأسُ بني سلامان ‏على الشنفرى؟‏
حين يأتي على وَبَر ِالماء‏
يجمعُ سرَّ الصعاليك في قبضة الموت‏ِ
حين يرى‏ أبوين، (تعدَّى سؤالي حدودي )
وفيما يرى‏ أبوينِ
هما من نسيج الغوايةِ‏
كانا يعدّان سرّي
لأبصر موتي‏ على حين غرَّةْ‏ْ
وأنا الشنفرى‏
سيدُ الأخضرين‏
وحامي خيولهْ

أبي قال لي حين غابَ‏ على نهر دجلةَ
إنَّ لبابلَ في القلب طِيبُ المنازل‏
فانهضْ بها للغناء ‏
ولا تترك النايَ بين أصابع محروقةٍ‏ٍ
إنَّ بابلَ بابٌ لكلِّ مُسمّى‏
قال لي حين طافَ النخيلُ على قلبهِ‏
سوف يأتي عليك الندى بالردى‏
فانتبهْ:‏
بابُ أمّك طيرُ نسيج الغوايةِ‏ِ
يعسوبُ نحلٍ تخطّى نصولَهْ‏
وأنا الشنفرى‏
سيدُ الأخضرين‏
وحامي خيولَهْ

ليس يكفي حصانٌ
لأتبع قافية الشعر في الشنفرى‏
والندى تلّة الموتِ في الكأس‏
لستُ أنا
من يُغيرُ على نفسهِ
إن بدا‏ خائفاً من سعير الكلام
وبوحِ الردى‏

طاردتهُ القُرى‏
كَمْ له من مضارب أزْدٍ
ويسعى‏ إلى شقوة النهر
يهوي إلى دارة الحبِّ‏
في عكبرى‏
المرايا السّوى‏
المرايا المعاد إلى الوجهِ تبيانُها‏
المرايا الرقيمْ‏
المرايا
وإن بدّلَ الجدريُّ الرّئة‏ْ  
مثلَ أيِّ سماء سيقتلُ منهمْ مئةْ‏
ثم يُغري قبيلَهْ.‏
  
لا يدي في مكاني‏
ولا صاحبي مثل قلبي هنا‏
الكلامُ هنا في المرايا‏
تركتُ هنا
وهناك أخي الشنفرى‏
في مساء القصيدةِ
حتى أرى‏ سيداً فرَّغَ الممكنات
من الكائناتِ‏
وريح الثرى‏
لَمْ يكن صاحبي الشنفرى‏
قد أعاد لأمي منازلها‏
مثلَ أيِّ سماءٍ
فكنْ صاحبي المُبتلى‏
صاحبَ السيفِ والموتِ
نهرَ الصعاليك‏
حين يرمِّمُ سجني نزيلَهْ
لا غبارَ هنا في سرابي
لا مرافئ في ساحة الريح‏
لا مطرٌ في السَّفرْ‏
أو على أرضنا
غجرٌ يتركون خيامَ القبيلةِ ليلاً
وينحدرون إلى غابةِ الرقص ‏
مثلَ النبيذ على شفة النصِّ‏
لا شاعرٌ في غيابي‏
لا أنا في أنا‏
لا أخي في ذراعي‏
رَكَلَ الموتَ في القهقرى‏
نهرَ قلبٍ تفتّقَ عن طالب الموتِ‏
فيما أرى‏
دُلَّني إن تأبط شرَّاً‏
لأكمل بعد الكرى‏
شمعةً في فراغ الحياة‏
ويلسعُ خيط المدى في الحياةِ نحولَهْ.‏

نجمةٌ في مرايا المساء
كتابٌ على رمل أجداديَ القادمين‏
سمائي الوحيدةُ في مخدعي‏
ثوبُ أمي المطرّزُ بالأقحوان‏
وقط ٌ لجاري وأطعمُهُ من نشيدي‏
هُمُ الأهل حنّوا 
وفي عكبرى‏
لَمْ أعدْ أستبين مُكاءَ  السماء‏
فإني شغلتُ عن الطِيبِ بالموتِ‏
أستفُّ نسغَ الكثيب بسُؤْرِ الرّعاة‏
وأشربُ قبل القطا‏

لا غبارَ هنا في مكاني‏
ولا أمُّ قسطل تزأَر بعد يئوس الغبار‏
تياسرنَ لحمي
وقطَّعنَ إثمَ الغزالات‏
إنَّ فؤادي مُبللُ
جفني تنبَّه أنَّ المدى‏ عابرٌ في سبيل الغوايةِ
كأسي مبلَّلةٌ‏ من سِوى
نزعةٍ في السيوف الصقيلَهْ.‏
  
لَمْ أعدْ أستبين مُكاءَ السماء‏
وفي ملمحي رايةُ الشعر
منذ حصاد الكلام‏
ومنذ تعلَّم قلبيَ أسماءه في المنام‏
لَمْ أعدْ هكذا
ما يسوّغ نفْسي بنفْسي‏
أنا الشنفرى‏
وأخي بعد حينٍ من الموت‏ِ
يأتي على جثتي
ويعيدُ الردى وطبولَهْ.‏

ليس مثلي يُحيَّرُ‏ في قادح السيفِ
إن طار‏ مُكّاء هذا السبيل
ولَمْ يكملُ الأمعزُ منهم مئةْ ‏
إنَّ رأسي تطاردُ‏
لكنّ جمجمتي حين تصعدُ من موتها‏
ستزلُّ من الغيب ريحٌ
وتغمض‏ُ في ملعبِ الريح‏
عند بني سلامان صهيلَهْ‏

لن تُقصِّر أيدي الغزاةِ‏
إذا متُّ في طلبي‏
هُمْ شقاوة أنفاس أهلي‏
وهُمْ فوق عشب الطريق، إذا‏ نام ناموا
وكانوا‏ سراعاً يردّون كأسَ الغوايةِ
في مطلبي‏
حالتي في خروجي من الريح بعد الكرى‏
فوق معصميَ الموتُ‏
يا ليت شعري يحيفُ بأضداديَ العابرين‏
على سرّتي
إذ دعستُ على وَبَرِ الماء وحدي‏
وإني لمولى السقايةِ أجتابُ موتي‏ بموتي
وأجتابُ صبراً أفولَهْ‏

مثلما يحقنُ الشعرُ أنفاسَهُ بالندى
والغبارَ بمرثاتهِ‏
مثلما يربح النايُ أحزانَهُ‏
كان لا بدَّ لي من رجوعي إلى عُكبرى‏
من وجودي هناك على ثوبها‏
من خروجي على الناس بالسّيفِ‏
من تلّةٍ ليس فيها  سواي

كان لا بدَّ لي من غديرٍ
يخفِّفُ عني سرابي‏
وموتي الذي كان في المُشتبهْ‏
كان لا بدَّ لي من شَبَهْ‏
يذبحُ السّيفُ أنسابَهُ‏
ثمَّ يطوي غليلَهْ‏

مثلَ أيِّ سماءٍ
أرى أن أزور الردى‏
مثلَ ريح الندى  
مثلَ أيِّ سماءٍ‏
 تناقصَ من حولها العابرونَ‏
أجدِّفُ نفْسي بنفْسي‏
وأكتبُ في كأس كأسي‏
أخٌ لا يُؤاخي خليلَهْ‏

ليس يكفي حصانٌ‏ لأصعدَ
فيما سأصعد‏ُ نحو سماءٍ تأذَّن في عُذرها‏
أنني بعد خيل الكلام
سأحقنُ جلدي‏ بأبياتِ شعر تدومُ‏
وأبياتِ شعرٍ تُسوِّغ أفراسَها‏
من غبار الترابِ
وسلسلة النائمينَ‏ 
إذا عمّروا قبل جلبِ الرياح‏
وأبياتِ شعرٍ رأى الشنفرى‏
في هواها ميولَهْ‏

ليس يصعدُ مثلي
خفيفاً طريدُ جناياتِ بحر الدّفوفِ
إذا ما استقلَ عن الموتِ
في كلِّ مرعى
ويوردُ قلبي إلى حلّةٍ ليس فيها سوايَ
أنا من تردَّدَ في الموتِ
حتى أتمَّ فضولَهْ

كان ينأى بنا‏
كان يحذفُ من عينهِ‏
صورةً لا إطارَ لها‏
كان مثلي
وكنتُ أنا مثلهُ‏
مثلَ بابٍ مريض‏ٍ تنفَّسَ مثلي
على شَبَهٍ في الشَّبَهْ‏
مثلَ بابٍ مريض‏ٍ
تعدّى على موتهِ الشنفرى‏
لا غبارَ هنا‏
لا مكانَ هنا في مكاني‏
ولا شنفرى‏
إذنْ فافتحوا بابكم للحوار الأخيرْ
كان بابي وسيطاً‏
يُغبِّرُ في المعسراتِ خيولَهْ‏

سرَّني ما رأيتُ من الماء‏
قال أخي لا سرابَ
ولا محتوى‏
لا وجوهَ تُرى في مرايا السّوى‏
سرَّني ما رأيتُ
إذن يا أخي‏ فاتَّبعْ ما ترى‏
عند باب الرشيد اكتنزتُ السماء‏ جميعاً
بقبضة سيفي‏
نزعتُ يدي من مكاني‏
نزعتُ جفوني عن النوم‏
خوفي من الكائناتِ
وناري من الريح‏، سيفي
وحادثة الشعر، قومي‏
وساريةً خبَّ فيها الندى‏
وأعاقَ ذبولَهْ‏

بَدَّدَ البوحُ فيما أرى‏ صورتي
في المرايا‏
وملمَحَها في القصيدةِ
حتى‏ تذهَّبَ عودُ الغناء‏
على سعةٍ في الظنون‏
يعدُّ على الناس أسبابهُ
ونحولَهْ‏

مثلَ أيّ سماءٍ
أرى أن أزيدَ الندى قطرةً
قطرةً يا صراطُ
وأن أنحني‏
حَجْمَ كَوْني لِكوْني‏
ولدتُ  على سرِّ باب الحقيقةْ   
مثلَ أيّ سماءٍ
أرى عند بابٍ مريضٍ‏ٍ
أخاً لا يُؤاخي خليلَهْ‏

وَدَعَسْتُ على وَبَرِ الماءِ‏
غيضَ الندى في الردى‏
غيضَ كأسُ الصدى في سماء القصيدةِ‏
ثوبي على شاهدٍ
في ميول أخي الشنفرى‏
لا أخي كان مثلي يتيماً‏
ولا أمُّ قسطل كانت سُدى‏
أمُّ قسطل كانت تغضُّ عن الشنفرى موتَهُ‏
وتفضُّ بكارة خوف الوجود‏ِ
ومن عدم الشعر تبني المدى
وسهولَهْ‏

ليس يكفي حصانٌ
لأنهض من عدم الشعر‏
إن خبَّ قوسُ المنيةِ فوق سوار الزمنْ‏
ليس يكفي حصانٌ إذنْ‏
يا أخي الشنفرى‏
كي نعيد إلى الأرض أبناءَها‏
ونعيد إلى الشعر يوماً أصولَهْ‏

رَبْط جأش المنيةِ‏
مرَّ بيَ القوسُ في المنعطفْ‏
كان مثلي طريداً
وكنتُ أنا مثلَهُ‏
مثلَ أيّ سماءٍ أرى‏ إربد الحبِّ في عكبرى‏
تخلع النومَ عن جفنها
كي أعود إليها‏
وحيداً بلا سلّةِ الذبح، أو أسئلَةْ‏  
إنني عائدٌ من مديحي
إليها، إليَّ‏
إلى صرّة بعدُ لَمْ تنقشع عن يديها‏
وأتركُ فيما أظنُّ تأبط شراً
لأصعد فيما سأصعدُ‏  نحو سماءٍ
ترى أنني سيد الشعر‏
أركبُ صعبَ الندى
وأسوّي فصولَهْ‏

وأنا الشنفرى
سيدُ الأخضرين
وحامي خيولَهْ‏

____________________
عكبرى: بلدة تقوم على نهر دجلة بين بغداد والسامراء، الأزد: قبيلة يمنية.‏
مراميل: الذين لا أقوات لهم.‏ الغطش: الظلمة.‏ "بين ضحى أبدين مريضين"
مقطع من قصيدة للشاعر مُهند ساري.‏ بني سلامان: واحدة من عشائر الأزد
اليمنية‏، مكاء: طائر ذو صفير لا يستقر على الأرض.‏ تياسرن اللحم: اقتسمنه.‏
 الأمعز: المكان الذي فيه حصى صغار.‏

إرسال تعليق

حقوق النشر © موقع أحمد الخطيب جميع الحقوق محفوظة
x