بين غصنين ومعنى / الشاعر جمال قاسم

 

* بين غصنين ومعنى *

شعر جمال قاسم

إلى أحمد الخطيب

***

لا تمر القصائدُ ما بين

جميزتينِ كَسربِ حمامٍ على الذاكرةْ

فالمواعيدُ همهمةُ الوقتِ

 قبل الظهيرةِ ترقبُ جوقَ شحاريرَ

غنَّيْنَ للمُشتهى

 ورفعنَ أزاهيرَ فرحتنا

 أُهبةً للغمامِ

وجُدْنَ من السُّدّةِ الماطرةْ

لا تمرّ القصائدُ

نحلَ المكائدِ سِفرَ

غواياتِنا العابرةْ

فأحابيلُ أنشودةٍ نسجَتْها يداكَ

على أرخبيلِ التجلّي

ستومئُ للريحِ ؛

عودي إلى جهةٍ

 عصفتْها السنونَ

وأَبرقَ في ومضِها

نورُكَ المُصطفى

وكلامٌ بلا شفةٍ

يجرحُ اللغةَ الساحرةْ

وجهُ أحمدَ ضاءَ ..

يداهُ توضّأَتا بالسَّكِينةِ

حينَ أَحالَ الحروفَ دواليَ ..

أوغلَ في برهتينِ من الماء

هاءتْ مراكبُ ريّانةٌ

 بالمسافاتِ والأُرجوانِ

وسافرَ في الموجةِ الهادرةْ

المواعيدُ كالسيفِ ..

لا تقطعُ القلبَ عصفورةٌ

مثلما تقطعُ الطرقاتِ ..

المسافاتُ شاسعةٌ أرهقتنا

وعشقُ البلادِ مصابيحُ من ذهبٍ

عُلِّقَتْ في الطريقِ إلى الله ..

هذا المدى أرقٌ يا صديقي

ونحنُ على أُهبتَيْنِ ..

وهذا المدى أرقٌ

والكلامُ سيعبُرُ فكرتَنا مرتينِ ..

ستصقُلنا في المسير سنونوةٌ

وتهذّبُ قافيتينِ

سنعرفُ بعد يقينٍ قطعناه

 أن الدروبَ كما نشتهي نحن ..

أن البلادَ معلقةٌ

طيَّ أُمنيّةٍ بين غصنينِ

جُرحَ يدٍ رفعت زهرةً لليبابِ

وأوجاعَنا القاهرةْ

أيُّ نهرٍ حباكَ أيا صاحبي غمرةَ الناسكينَ ..

تُعمّدُ قمحَ السهول وشيحَ البراري

وتمسحُ رأس يتيمٍ على طرقاتِ المخيّمِ ..

تفتحُ شرفةَ بيتك

للقادمينَ من الغيمِ

 للباحثينَ عن البتلاتِ

 ووحيِ القصيدةِ ..

تخفقُ شِعراً لنبض البلادِ

لأحلامِ عشاقِها الفقراءِ

 لنجمةِ أشواقِها

وتذيبُ بمخيالِكَ الطرقاتِ

وتزرعُ كفّاك في ساحة العيدِ

أرجوحةً ومطايا

وتنزعُ من لغة الليلِ

وحشَ اغتراباتنا 

كي نجوبَ دواخلنا مُخبتينَ

لما حبكتهُ الحكايا

وأحرفُنا الساهرةْ

لا تمرُّ القصائدُ ما بيننا

دونما شغفٍ وقلقْ

ودخانٍ كثيفٍ يُخاتلنا

القصيدةُ باخرةٌ من حنينٍ

ستبحرُ في راحتينا

 وتعبر وجه الشفقْ

والقصيدةُ فوضى الجمالِ التي

تنحتُ السحرَ في الريح منزلةً 

وتعلقُها تحفةً

من صهيلٍ ومعنى

 على غيمةٍ من شذاً وحبقْ

 لا تمرّ القصائدُ في غيِّهنّ

لتشرعَ عصفورةٌ بالنشيد

وتملأُنا وطناً وخُطىً نحونا

البيادرُ لاسعةٌ كالحنينِ

وواسعة كالسهولِ التي حملتْها ..

 خطانا على المرجِ سائرةٌ

ويدانا إلى الله مرفوعةٌ

وجهُ حورانَ ..

بسملةُ القمحِ

أهزوجة العيدِ

 رائحةُ الصيفِ

طيفٌ على شرفةٍ

وردةٌ في يد امراةٍ

أوغلتْ في الشبابِ

وشوقُ الصِّبا للرُّبى

نصفُ معنىً ..

قرنفلةّ من صَبا

والبلادُ على أهبةٍ للرياحينِ ..

أودعتُ سوسنةً في الحنينِ

 وأقفلتُ بابَ التذكّرِ ..

بيسانُ سيّدةٌ من فيافٍ

ومن لغةِ الماءِ

 رقراقةٌ كمساءٍ شهيٍّ

وشفافةٌ كمرايايَ

 في سبر أغوارِها

قطعةٌ من حريرِ افتتاني

 بسندسِ خُضرتها

وهوايَ الذي

عنَّ في خاطري للإيابِ

وعودةُ أسمائِنا

لن يمرَّ الغزاة

 إلى ما خططناهُ في الدربِ

يا صاحبي  لن يمرّوا

سنعبرُ نحنُ إلى ما أردنا

ونزرع وردتَنا في البلاد ..

ستفتحُ حيفا مداخلها للحنينِ

 مآذنَها للصلاة

 وأجراسها  

...

سوف تأخذنا فكرةٌ في القصيدةِ

ما بين غصنين

صوبَ جداريّةٍ للحياةِ وأوجاعنا ..

سوف نكتبُ في جدُر العشقِ ؛

متّجهون إلى فرحٍ

 حاملينَ رؤانا إلى زمنٍ حالمٍ ..

لا تمرّ القصائدُ

 بالصمتِ ما بيننا

لا تمرُّ ..

وكم كنتَ تصمتُ

 حينَ تفرُّ الحمامةُ من بين كفيك،

كيما تعيدَ الهَديلَ

لرفٍّ غفا في مخيلةِ الوقتِ ...

كم كنتَ تصمتُ

 مستودعاً قلقاً في ثنايا الصدى

 ريثما تستعيدُ بنفسجةً

 خلستْها الحياةُ

وكم كنتَ تفرحُ 

حينَ يحينُ الجمالُ بلا موعدٍ

ويمسِّدُ ما قد تجعّدَ في لغةِ السحرِ

تحرُسُ معناكَ ..

 تعلن :هذا هو الشعرُ ..

كم كنتَ أنت

بلا أي زخرفةٍ ..

 رقّشَتْك التجاربُ

 أضفتْ عليكَ الحدائقُ

 ضوعاً وبشرى على فننٍ في التأمل ..

رؤيا تعدّتْ سياج القصيدةِ

صوب سؤالٍ يشدُّ يدينا

 .. وأمستْ جوابا

إذنْ .. وليكُنْ

لن تمرَّ القصائد ما بيننا

دونما لغةٍ عاليةْ

فالقصيدةُ فوضى الجمالِ

نعلّقها بين غصنينِ

من ورفٍ تحفةً غافيةْ

وأنا يا صديقي وأَنتَ على أهبتينِ ..

ستُنْظرُنا الشمسُ يوما جديدا

 لنكتبَ : ما قد تبقى من العمرِ

حلمُ قطاةٍ وتغريبةٌ ثانيةْ .

 وأنا يا صديقي وأَنتَ على أهبتينِ ..

نُخيطُ أساطيرَنا ...

ما تمزّقَ

 من ليل أحلامِنا الزاخرة

ونسيرُ إلى موعدٍ – والمواعيد همْهمَةٌ –

 تحت سقف سماواتنا

واثقينِ من الخطوتينِ

ومن وجهةِ  الريحِ

حين تسايرُنا

صوبَ ضفةِ أحلامِنا

وسنًا

و

سنا

 لتعودَ لنا الذاكرةْ

إرسال تعليق

حقوق النشر © موقع أحمد الخطيب جميع الحقوق محفوظة
x